تمثل إيران محوراً أساسياً من محاور العمل السياسي والدبلوماسي والأمني لمملكة البحرين للأسباب المعروفة، ومن هنا فإن العلاقات البحرينية - الإيرانية تعتبر في مقدمة القضايا الرئيسة التي تهم مملكة البحرين، لأنها كما يقال في الأدبيات السياسية؛ قضية وجود وليست قضية حدود. فالدعاوي الإيرانية حول البحرين قديمة رغم أنه ليس لها أسس تاريخية حقيقية؛ بل هي ادعاءات ومزاعم، فإن تكرارها يجعل أهلها يصدقونها، وبالطبع المستهدفون بها لابد أن يأخذونها مأخذاً جدياً إذ إن كثيراً من الدعاوي الباطلة يخشى أن تتحقق إذا غفل أهلها عن مواجهتها أو عن الاستعداد الدائم والمستمر واليقظة لمثل هذه المواجهة. المشكلة في الادعاءات الإيرانية إنها مثل ادعاءات فرنسا يوماً ما بأن الجزائر ولاية فرنسية، والتشابه هنا في ثلاثة أمور؛ أولها الفاصل المائي بين البحرين وإيران مثل الفاصل المائي بين الجزائر وفرنسا، وثانيها أن الجزائر تم احتلالها لفترة من فرنسا كذلك البحرين تم احتلالها لفترة من إيران وكثيرة، هي مراحل الاستعمار والتوسع في العصور القديمة والحديثة، وثالثها أن شعب الجزائر يختلف عن الشعب الفرنسي جوهرياً وتاريخياً وثقافياً وحضارياً وعرقياً، ونفس الشيء في اختلاف الشعب البحريني عن الشعب الإيراني الفارسي، فهو اختلاف عرقي وثقافي وتاريخي وحضاري.الأهم من كل ذلك أنه كانت هناك إرادة لبناء كيان سياسي مستقل في الجزائر، كما إن مثل هذه الإرادة توافرت لدى شعب البحرين بكافة فئاته وطوائفه. لكن الفارق بين حالتي الجزائر وعلاقتها بفرنسا عن حالة علاقة البحرين بإيران في أمرين جوهريين؛ أولهما أن فرنسا توقفت عن ادعاءاتها بعد استقلال الجزائر عنها في حين أن إيران والشعب الإيراني من كثرة ترديد الادعاءات صدق الكذب وحوله إلى حقائق بالنسبة له، وثانيهما أن الجزائر بعد استقلالها دخلت في تعاون مع فرنسا، واعتذرت فرنسا في مرحة لاحقة عن مرحلة احتلالها للجزائر، في حين أنه في حالة البحرين / إيران نجد أن العقلية الإيرانية تعيش وهماً عظيماً باستمرار ادعاءاتها حول البحرين رغم استقلال البحرين بإرادة شعبها، وبالدور الرائد للأمم المتحدة في ذلك الوقت، ورغم اعتراف سلطات إيران الرسمية آنذاك بالبحرين كدولة مستقلة، ودخلت معها في علاقات دبلوماسية، لكن الوهم الإيراني لكثرة ترديده صدقه بعض أفراد الشعب الإيراني وبعض ساسته وأخذوا يكررونه حتى بعد قيام ثورة الخميني في إيران وفكرها الإسلامي الذي من المفترض أن يحترم مبادئ استقلال الدول الأخرى وسيادتها ويطبق سياسة حسن الجوار ومبادئ القانون الدولي. نقول إن حكومات إيران المتعاقبة عاشت في الوهم الذي زرعته في نفوس وعقول شعبها، وماتزال تنام كل يوم وتصحو على أحلام وردية بعودة الفرع (البحرين) إلى الأصل (إيران)؛ أي أنها تعيش في أحلام اليقظة، وهذه من سمات التخلف لدى الشعوب والسياسيين بأنهم يرفضون الاعتراف بالحقائق ويصرون على الحياة الحلوة في الأوهام والأحلام، وبذلك تحدث حالات إحباط لديهم، وحالات قلق لدى خصومهم الذين يشعرون دائماً بالتهديد للفارق الضخم في الحجم والإمكانات والسكان بين الطرفين.أعتقد أنه آن الأوان للقيادات الإيرانية بأن تعترف بالحقائق السياسية وتنتهج سياسة الواقع وتغير من أسلوبها ونهجها الفكري، والأمل معقود على شخصيات أمثال الرئيس حسن روحاني والدكتور جواد ظريف وزير خارجيته، فهما ينتميان للمدرسة العقلانية إلى حد كبير، أو على الأقل هذا تحليلي لمواقفهما وشخصياتهما بعيداً عن الشيفونية الوطنية، وعن الاستعلائية الدينية الطموحة للسيطرة وبناء إمبراطورية فارسية عاشت يوماً في التاريخ ثم زالت كما زالت إمبراطوريات قبلها كثيرة. وإلى أن يتحقق هذا الأمل فإنه من الضروري في علوم السياسة والاستراتيجية والأمن الوطني الاستعداد لما هو أسوأ، أو كما يقال في علوم الاستراتيجية «إذا أردت السلام لابد من الاستعداد للحرب بكل قوة»، لأن هذا الاستعداد يمثل قوة الردع التي تحول دون نشوب الحروب وتدفع نحو السلام. لماذا هذه المقدمة الطويلة لهذا المقال؛ لأنني وجدت كتاباً قيماً بامتياز بعنوان «العلاقات البحرينية الإيرانية» للباحث السياسي حسام الدين جابر سالم، ولفرط اهتمامي بهذه العلاقات وبحضارة دلمون وحضارة فارس ودورهما في العصور القديمة، حرصت على قراءة هذا الكتاب كي أجد فيه ما يشبع الغليل بالأمل في أن تعود علاقات الطرفين إلي حالة من العقلانية والواقعية، ولكن في السياسة العملية فإن العرب مدعوون لتوحيد رد الفعل وتفعيله وما أقصده من ذلك هو ثلاثة أمور: الأول: أهمية إتقان اللغة الفارسية واللغة العبرية ومتابعة ما يكتب في كل منهما لمعرفة عقلية الخصوم، ولا أقول الأعداء، ومن هنا أهمية بناء الكوادر العلمية المتخصصة في هاتين الدولتين الجارتين. الثاني: أهمية بناء مراكز علمية متخصصة في سياسة وثقافة الدول المجاورة، خصوصاً تلك التي تمثل تهديداً للأمن القومي العربي، بما في ذلك الأمن الخليجي، الذي هو جزء لا يتجزأ من الأمن العربي بحكم التراث والتاريخ والأصول الثقافية وبحكم تلاقي المصالح وتشابه الطموحات. الثالث: أنه مع بناء الكوادر العلمية ومراكز الأبحاث، فإن السياسة الواقعية تدعونا للتركيز على الدبلوماسية والعمل الدبلوماسي عبر وزارات الخارجية وعبر السياسيين الواقعيين الذين يهتمون ببناء بلدانهم وتقدمها بدلاً من اهتمامهم بطموحات وأحلام التوسع التي تثير الأحقاد وتؤدي إلى خراب الدول. ولعل في سياسة بعض الدول العربية بما في ذلك الدول الخليجية ما يدعونا لتوقع عودة الوعي للشعوب والقيادات السياسية والثقافية والأكاديمية لإدراك أن بناء السلام أصعب من مجرد دعوات الحروب وأنه أكثر جدوى ويحقق الأمن والسلام والتعاون أفضل من نزعات الهيمنة والسيطرة والاستعلاء.إن كتاب العلاقات البحرينية الإيرانية للباحث البحريني المتميز حسام الدين جابر يعد من أهم المؤلفات المحدودة التي تخصصت في دراسة العلاقات البحرينية الإيرانية بعمق وتحليل علمي ومنطقي، واتبع المنهج العلمي المتعدد المناحي التاريخية والثقافية والتحليلية، ويضم الكتاب ثلاثة فصول، وكل فصل مقسم إلى ثلاثة مباحث ويقع الكتاب في 350 صفحة من القطع المتوسط. والكتاب هو خلاصة عمل لعدة سنوات للحصول على شهادة الماجستير في العلوم السياسية، ومنهجه يجمع بين الأسلوب التاريخي في البحث الأكاديمي وبين البحث السياسي الحديث في علم السيناريوهات وعلم المستقبليات. وتناول الكتاب في الفصل الأول التطور التاريخي للعلاقات البحرينية الإيرانية من مرحلة الانتداب إلى الحاضر المعاش، ولعل هذا يمثل مصدر قوة للدراسة التي تعتبر دراسة في السياسة المعاصرة وليس في التاريخ القديم، وهي تعتمد على المصادر العلمية وأيضاً الإصدارات الحديثة في هذا المجال حتى عام 2013. أما الفصل الثاني فيحلل العوامل المؤثرة في العلاقات البحرينية الإيرانية من عام 1979 حتى عام 2013 سواء عوامل سياسية أو أمنية أو اقتصادية واجتماعية وثقافية. ويتناول الفصل الثالث والأخير سيناريوهات المستقبل للعلاقات البحرينية الإيرانية ومنها سيناريو الصراع، وسيناريو التعاون، ويعرض للعوامل المؤثرة في مستقبل علاقات الدولتين والمؤثرة كل سيناريو من السيناريوهات المتوقعة وغير المتوقعة... يتبع
Opinion
العلاقات البحرينية - الإيرانية بين السياسة والبحث العلمي «1»
05 نوفمبر 2013