تصريح أوباما وبيان وزارة الخارجية الأمريكية ليس بالسوء الذي نظنه، وبالرغم من رفضنا كشعب حر أبي أي محاولة للتدخل في شؤوننا، إلا أننا خارج هذا السياق نرى تراجعاً كبيراً في مبررات التدخل في الشأن البحريني، ففي 2011، حاول أوباما تبرير هذا التدخل بأن شعب البحرين، عبارة عن أغلبية شيعية تمثلهم الوفاق محكومة من أقلية سنية حاكمة، والوفاق استنجدت «بالمجتمع الدولي»، وعلى أساس أن أمريكا نصيرة الشعوب، طلب أوباما أن تجلس الأقلية الحاكمة مع «الوفاق» أي مع الشعب البحريني.أما تصريح أوباما 2013، أقر فيه أنه ما عادت هناك أغلبية وأقلية، فقد أصبح أوباما يرى أن البحرين مكونة من عدة طوائف تعيش توتراً! إلا أنه نقل مبرر التدخل من كونه استجابة «لشعب» إلى كونه نصرة لطائفة ويصبح بذلك أداة من أدوات التقسيم والتوتر والطائفية بجدارة.أما تركيزه على مسألة الحوار كوسيلة لحل هذا التوتر، كي يكون وسيطه موجوداً داخل الحوار يفرض من خلاله رؤيته الخاصة لوضع البحرين.وأياً كانت نظرته أو كانت «طلباته»، فهي تخصـه ولا تخصنا، يبلها ويشرب ماءها وراءها، فهو الذي عجز عن فرض خط أحمر واحد على سوريا، فليس له الحق أن يتكلم وينصح أحداً، وما ذكر الحوار والتوتر الطائفي، إلا محاولة فاشلة من محاولاته المتكررة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من المشروع الأمريكي بعد أن تداعى وهزم شر هزيمة في مصر، التي أغلقت باب التدخل بعد أن اقتلعت المسمــار، الــذي وضعــوه للمصريين! فلم يبقَ من المشروع الأمريكي غير مسمار «الوفاق» في مملكة البحرين، يعولون عليه لتحقيق فرصهم وطموحهم، فهم أبواقهم داخل الحوار وداخل المجلس. يتضح أن ترويج الوفاق «أمريكياً» الآن في الأروقــة السياسية لم يعد كونه ممثلاً عن شعب البحرين، أو غالبية شعب البحرين، كما كان يسوق طوال السنوات العشر الماضية، بل أصبح يسوق الآن على كونه حزباً يمثل الشيعة، وهذا إقرار ـ رغماً عن أنوفهم- بأن شعب البحرين متنوع الطوائف والإثنيات وأن هناك جماعات أخرى ولها أحزابها ولها ممثلوها ولا يمكن تجاهلهم والقفز عليهم، إنما تحتاج الإدارة الأمريكية من الوفاق إلى ما يثبت حجمها في الشارع وتحتاج إلى أن يكون عملهم ضمن الإطار القانوني، إذ من الصعب التسويق للجمعية كممثل عن أي جماعة ما لم يدعم ذلك برقم انتخابي أو بعدد مقاعد أو بأرقام مسيرة! لذا تسارع الوفاق بإضافة صفر إلى الرقم بعد مضاعفته في كل مسيرة، لمساعدة حلفائها في عملية التسويق داخل الأوساط الأمريكية، فبدون هذه الأرقام يصعب على حلفائها إقناع الأوساط الأمريكية بفعالية وأهمية هذه الجماعة، ومن الصعب تبرير التدخل ما لم يكن هناك طلب علني من جماعة ما في دولة ما.فلا تترد الوفاق عن ارتكاب الفاحشة في بيانها و تعلن ـ بكل وقاحة- «طلب» مساعدة ما تسميه «بالمجتمع الدولي»، «للتدخل» في البحرين من أجل تمكينها من السلطة، كي ترفع الحرج بهذا الطلب السافر عن التدخل الأمريكي، فهم يبررون تدخلهم الآن أنه بناء على طلب «الشيعة» في البحرين «سلم لي على القومي والقومي الذي وقع معهم بيان العار». لذا كان انسحاب الوفاق من المجلس النيابي ضربة للمشروع الأمريكي وعرض مؤيديهم الأمريكييــن للحـــرج، كذلـــك الآن انسحابهـــــم «المؤقت»، من الحوار يعرض جميع الاستثمارات الأمريكية فيهم كجماعة للخطر ويكبدهم خسائر فادحة بعد خسائرهم في الشمال الأفريقي والضربــة المصريــة القاصمــة لــه حيــن حلــت الجماعة وحظرت وصودرت أموالها، فالمسيرة والبيان هما حبل الإنقاذ لمبرر التدخل الأمريكي الآن وقد منحته الوفاق لدولة أجنبية دون أن يرف لها جفن.من الصعــب علــى مــن يدعــم مشــروع الشــرق الأوسط الجديد في الإدارات الأمريكية أن يسوق لدعم «جماعات» محظورة، جماعات سرية، حينها سيكون الدعم استخباراتياً سرياً مما يعيق وبشكل كبير تقدم المشروع وتسويقه تحت شعار الديمقراطية، وسيدخل الإدارة الأمريكية في حرج كبير مع حلفائهم في المنطقة، بل وسيدخلهم في حرج مع معارضي المشروع في الأوساط الحزبية الأمريكية أنفسهم، وهم كثيرون خاصة دوائر الدفاع والبنتاجون، الذين يعارضون سياسة أوباما الخارجية وبشدة ويرون فيها هدراً للمصالح الأمريكية.علمــت مصــر أن بقــاء جماعــة الإخوان مرخصة سيبقـي على مسمار التدخل الأمريكي في مصـــر، فاقتلعته من جذوره، وها هي الولايات المتحدة الأمريكية تستسلم بعد مقاومة لمدة شهرين وتعلن رغم عن أنفها أنها ستراقب إذاً حقيقة التطور الديمقراطية في مصر وتتخلى عن مرسي بعد أن وضعتها مصر أمام الأمر الواقع.خلاصة القول إن الوفاق أداة مهمة جداً للولايات المتحدة الأمريكية لتنفيــذ المشــروع ومن الضروري أن تساعد الوفاق حليفتها بتقديم ما يثبــت حجــم تمثيلهـا، وبطلبها العلني للتدخل الأمريكي.الوفاق ببيان العار الذي أصدرته أمس الأول ارتكبت فعل الخيانة العظمى وخرقت كل المحرمات الوطنية بطلبها العلني «بتدخل» دولـة أجنبية في البحرين، و هي الجمعية المرخصة وفق الدستور ووفق الضوابط القانونية، مرتكبة بذلك جريمة تحاسب عليها حساباً مغلظاً، وما لم تقطع البحرين جذور المشروع الأمريكي وتقلع المسمار الأمريكي، فإنها لا تعرض أمنها القومي للخطر فقط بل تعرض أمن دول مجلس التعاون كله للخطر.