غريب أمر البحرين، صغيرة الحجم والمساحة لكن فيها أخبار وإشاعات وفبركات وأكاذيب تكفي دولة بحكم قارة!كل فترة وأخرى يتداول الناس في أجهزة التواصل الاجتماعي ما يطلق عليه مروجوه «تحليلات» و«أنباء» عن صفقات تتم في الخفاء، فيها تتفاهم أطراف من المعارضة مع أطراف من النظام، والنتيجة -دائماً- في زبدة هذه التحليلات؛ أن هناك تنازلات من النظام للمعارضة، وبما يوحي بأن من انقلب على البحرين ومازال يمارس التحريض هو من يملك اليد العليا فوق الدولة، هذه الدولة التي يفترض بأنها لو أرادت إنهاء كل هذا العبث لما كلفها ذلك سوى قرار واحد. تذكروا إعلان السلامة الوطنية.اليوم كل ما يتم ترديده هو وجود «صفقة سرية»، تتم في الخفاء، وفيها أحد أطراف النظام (بهدف تشويه صورته وتشكيك المخلصين فيه)، وأن على الشارع الموالـــي للدولة ورموز النظام «تجهيز» نفسه لصدمــة، إذ من انقلبوا على البحرين وحاولوا سرقتها وحرضوا عليها وعلى رموزها ومازالوا ستتم مكافأتهم و«تقديرهم» على ذلك بمناصــب ومزايا ومكاسب، وكأن الدولة هي التي عليهــا أن تعتذر لهم وتقول لهم «آسفين وحقكم علينا»!صعب جداً أن تضبط انفعالات وردات فعل فئتين من البشر، الأولى تم زرع الكره والكراهية والحقد والبغض وهوس المظلومية في نفوس الكثير ممن ينتمون لها منذ نعومة أنامل عناصرها، وبين فئة ثانية عاشت مع من يكرهها بحسن نوايا وتعاملت معهــم بكل طيب وصدق. الفئة الثانية «عاطفية» بلا حدود، بينما الأولى مدربة على الاستمرار فيما هي عليه مهما كان الثمن، وطبعاً تسخرت لهم جمعيات وجهات استخدمت الطائفية كسلاح والمذهب كذريعة.ولأنها حرب إعلامية، وفوضى معلوماتية عبر العالم الافتراضي، باعتبار ألا واقع فعلياً على الأرض سوى عبث شباب استحلى رمي المولوتوف وسد الشوارع، فما هو الأسلوب «السهل الممتنع» للتأثير على نفسيات الناس، خاصة من «تعب» من هذا الواقع اليومي، غير التأثير عليها بما يصله إلى هاتفه الذكي أو يتنامى لعلمه عبر وسائل التواصل الاجتماعي من معلومات وأخبار وتحليلات يسهل اليوم أن يدس فيها الكذب ويصور على أنه الحقيقة المطلقة.نعرف مستوى التأثر العاطفي لدى الناس، إذ قياسه سهل جداً بمجرد أن يتم نشر إشاعة أو كذبة لا مصدر موثوق لها، تجدهم يسارعون بـ«الولولة» وإظهار القلق، مثلما حال بعضهم الذي نشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي تشكيلة لتعديل وزاري تضمن إرجاع وزراء لمناصب شغلوها سابقاً! معقولة يا جماعة، تصدقون أن هناك دولة تعزل وزيراً من منصبه ثم تعيده إليه؟! أهناك دولة تعين وزيراً «يشتمها» ليلاً ونهاراً ويجاهر بكرهه لنظامها ومن يرمز إليه؟! أتصدقون أن هناك دولة بإمكانها أن تبرم صفقة «سرية» مع من نصب المشانق لرموز الحكم فيها، مضحية بوقفة المخلصين الذين وقفوا دفاعاً لأجل بلدهم؟! معقولة يا جماعة، تصدقون بأن هناك دولة تبدل المخلصين بالخونة؟! أن تطالع المخلصين بخطابات في النهار بأنها معهم وتقدر لهم وقفتهم للدفاع عن الوطن، ثم بالليل تجلس وتتفاوض مع من قال لها «ارحلوا»؟!أنا شخصياً لا أصدق هذا، لأنه ضرب من الجنون، ومن الاستحالة أن يكون. بيد أننا نعرف تماماً طريقة عمل آلات الكذب والفبركة، وهو ما يعجز عنه سواء الإعلام الرسمي أو أصوات جمعيات المجتمع المدني المخلصة عن مقارعته، وكلما تحدثنا بهذا الشأن يتضح لنا بأن هناك من يظن بأنه يفهم في الإعلام والتحرك المضاد أكثر من غيره، وها نحن الآن، الوضع وحده كفيل بإثبات أنه لا تحركات لأجهزة رسمية فادت في تصحيح هذه المغالطات في الخارج، ولا تفاهمات ولا أي شيء آخر، اللهم سوى أصوات فردية واجتهادات شباب وشابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ومن ينجح في الوصول لوسائل الإعلام في الخارج.من ناحية المبدأ، في شأن تأثير أكاذيبهم التي تنشر عبر وسائل الإعلام بالأخص من ترتبط معهم بأهداف مشتركة، فإنهم ينجحون دائماً في التأثير على نفسيات المخلصين وثقتهم بالنظام، وهذه حقيقة وواقع لا يتوجب علينا أن ندفن رأسنا في الأرض بعيداً عنها، لكن المشكلة الأكبر تكمن في أن الإجراءات الرسمية المفترض أن تتخذ بحق التحريض والتخريب والإرهاب لو كانت تواكب نفس حجم الاستهداف لما شك الناس لحظة بوجود صفقات هنا وهناك، لما هزتهم للحظة تقارير مفبركة تبدأ بـ»يرى مراقبون» دون ذكر من هم، ولا أثرت فيهم أي تسريبات متعمدة لأخبار وأنباء تستهدف خلق هوة بينهم وبين رموز النظام بتصوير بعضهم أنهم يقربون الخونة ومشكوكي الولاء على حساب المخلصين.هكذا نحسب أن الأمور تسير، وإلا لو كانت من صفقة حقيقية موجودة بالفعل، فلم لا يمتلك الانقلابيون أنفسهم جرأة الكشف عنها صراحة، وعمن يجلس في الطرف الآخر من الطاولة، وما هي محاور التفاوض والاتفاقات؟!من يعمد لحرب «النفسيات» بهذه الطريقة المبتذلة والمكشوفة، هو من في الأساس وصلت نفسيته وعزيمته لدرجة أدنى من «الحضيض»!