يبدو أن البحرينيين أصبحوا من الشعوب التي تداوي جراحها بالتندر والسخرية، في السابق كان المصريون معروفين بذلك، فغالباً ما كان أبناء النيل يطلقون النكات والتعليقات المضحكة على معاناتهم اليومية والمعيشية، فضحكنا على مئات النكات التي تتحدث عن أزمة الشقق والمواصلات وارتفاع الأسعار وحتى يوميات ثورتهم وما أعقبها، الكثير الكثير مما تناقلته الشعوب العربية كافة نتيجة انتشار رقعة الدراما المصرية التي عكست ذلك، فصار يقال عــن المصـري «ابن نكتة»، وتبدأ القصـــة حينما يبادرك قائلاً «سمعت آخر نكتة»، وكأن النكات لديه لا تنتهي ودائماً هناك جديد، فالنكتة عنده تخرج من قلب المعاناة والحاجة لتكون صورة من صور الاحتجاج التي يوصل بها الشعب رسالته ومعاناته ويخفف بها من احتقانه وألمه، ولأن تلك المعاناة لا تنتهي ودائماً يوجد منها جديد؛ فترقب دائماً حينما تلتقي بصديق مصري أن يقول لك «سمعت آخر نكتة!!».مؤخــراً يبــدو أن البحرينييـن أصبحوا «أبناء نكتة»، ولربما بات يعرف عنهم التندر على معاناتهم، فصرنا نسمع نكات كثيرة تدور حول احتياجات الناس ومشكلاتهم، وبات من غير المستغرب أن تجد من يعلق ساخراً على الانقطاعات الكهربائية وتأخر الخدمات الإسكانية وارتفاع الأسعار وزحمة الشوارع وأداء النواب وما إلى ذلك، ولعبت التكنولوجيا دوراً مساهماً في انتشارها، فالنكات والصور المعدلة والرسوم الكاريكاتيرية تتناقل في مواقع التواصل الاجتماعي وأجهزة الهواتف الذكية، ومن المألوف أن يسألك صديق وهو يمد لك بتلفونه «وصلتك هالنكتة أو جفت هالصورة أو الكاريكاتير!!».لعل آخر مثال على التعليقات الساخرة والصور والكاريكاتير ارتفاع سعر الطماطم، فانطلقـــت مخيلــة البحرينييـــن استغرابـــاً وتهكماً، والأكيد وصلت إليكم صورة الرجل الذي ذهب ليقدم «سحـارة طمــاط» مهــراً لابنه!! وتلك الفتاة التي تحلم أن يكون خاتم زفافها مرصعاً بحبة طماطم بدلاً من الألماس!! ولابد أنكم سمعتم تلك النكتة التي قاوم فيها رجل احترق بيته النيران واستطاع في الأخير أن يخرج ابنه من غرفة نومه وكيس الطماطم من الثلاجة لكنه نسي إنقاذ زوجته!، ولعل أكثر ما أضحكني تلــك المقولــة المحرفــة «الطماطم التـــي قصمت ظهر البعير!!».هذه بعض الأمثلة ولعلكم قرأتم ما هو أكثر منها وأظرف، لكنها تشير وبلاشك إلى وجود حالة من الانزعاج لدى المواطن والذي بات يعبر عنها عن طريق السخرية، فالأسعار تواصل ارتفاعها دون وجود حقيقي رادع لرقابة تحمي الناس من التلاعب، والمشكلات الخدمية ألقت بظلالها على الجميع وأهمها ملفات الصحة والإسكان والكهرباء والتعليم، هذا عدا ما هو صادم؛ كالأخطاء الطبية المميتة والسيارات التي تسقط من الكباري وعدم الإيفاء بالوعود المتكررة بتحسين المستوى المعيشي من خلال زيادة الرواتب، والمشكلات التي تواجه تنفيذ بعض المشاريع «كعلاوة الغلاء والبيوت الآيلة للسقوط». كل ذلك في جهة والزوبعة التي تتزامن مع تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية عن حجم الفساد وإهدار المال العام الذي يرفع ضغط الناس سنوياً، ثم لا نرى بعد كل جعجعته طحيناً في جهة أخرى!!الأكيد أيضاً أن الســادة النـــواب قـــرؤوا وشاهدوا الكثير، وهم يعلمون أن وراء كل ذلك مواطنين يعبرون عدم رضاهم ليس فقط عن الخدمات المقدمة وأداء الأجهزة الحكومية، لكن عن النواب أنفسهم، نعم لا أحد ينكر الجهود التي يقوم بها النواب، كما إننا لا ننكر الجهود التي تقوم بها الوزارات والهيئات الحكومية، وقد يبالغ بعض الناس في الانتقاد؛ هذا صحيح، لكن الصحيح أيضاً أن هناك عدم رضا في المجمل لدى الناس عن أداء النواب وهم يحملونهم حتى التقصير في أداء الأجهزة الحكومية، فالناس التي انتخبت النواب ليمثلوهم يريـــدون منهم أن يعملوا على تحقيق أفضل ما يمكن لهم، الناس لا تنظر إلى ما هو خارق أو غير متاح؛ تريد فقط الممكن، والبحريني بطبعه قنوع لكنهم يجدون أنه حتى هذا الممكن غير متحقق لهم، فلو حرك النواب أدواتهم الرقابية والتشريعية بجدية وغلبوا مصحة المواطنين فعلاً وكانوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم واستفادوا من الصلاحيات الواسعة التي أعطتهم إياها التعديلات الدستورية الأخيرة؛ لكان بالإمكان أن يحققوا للناس المزيد مما هو في صالحهم ويحمي حقوقهم ويحفظ المال العام!!فهل تريدون المواطن أن يقتنع أنكم قمتم بأي تحرك يوقف هدر المال العام المقدر بمئات الملايين وربما مليارات بعد إصدار تقارير ديوان الرقابة؟ وهل تريدونهم أن يتفهموا عدم زيادة رواتب الموظفين في ميزانية الدولة الأخيرة بنسبة 15% لأن ذلك سيكلف الدولة 127 مليون دينار للعام 2013 و131 مليون دينار للعام 2014؟ هل هذا كثير على المواطن؟ وهل تعجز الدولة عن تحمل هذه الكلفة؟! ولماذا لم تحركوا أدواتكم النيابية؟! ولماذا تصمتون عن تلكؤ وزارة الإسكان دون مبرر عن تنفيذ توصيات حوار التوافق الوطني رغم أنها ستخدم آلاف المواطنين؟ ولماذا.. ولماذا؟الأسئلة كثيرة أيها السادة ودور الانعقاد أمامكم قصير، وعيون الناخبين مسلطة عليكم، فإما أن يقفوا معكم في الانتخابات القادمة وإما أن يديروا ظهورهم لكم ويعبروا عن سخطهم بالنكات الساخرة والصور والكاريكاتير.. «وساعتها مب تزعلون»!!