تأتي السياسة أولاً ثم يلحق بها الاقتصاد كنتيجة. كما أن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، هذا ماتقوله كتب الاقتصاد والعلوم السياسية التي تدرس في كلية واحدة في معظم الجامعات. فكيف -والحالة هكذا- سيتم التعامل في القمة الأفريقية العربية من19 إلى 20 نوفمبر الجاري، مع التحدي الذي أوصت به الدولة المضيفة الكويت، وهو التركيز على القضايا التنموية والاقتصادية بعيداً عن القضايا السياسية؟يجب أن نتذكر أولاً أن لكل دوله في العالم رسالة؛ فهي رسالة أيديولوجية، أو دينية أومذهبية، أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية. كأيديولوجية الاتحاد السوفيتي السابق وثقافة فرنسا التي تحب أن تروج لنفسها بها بمتاحفها ومكتباتها ومعارضها ومسارحها. ومنذ استقلالها بادرت الكويت بإنشاء برنامج اقتصادي ثلاثي الأبعاد؛ بالقروض والمساعدات الاقتصادية وبالإعانات المالية، والبعد الثالث استثمار مالي خارجي، لقد قامت الكويت بذلك لخلق رسالتها: «مزيد من الأصدقاء يعني مزيداً من النفوذ والمزيد من النفوذ يوفر أفضل ردع».لقد كان الذراع القوي للكويت في النصف الثاني من القرن الماضي صداقاتها والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية والعربية الذي أنبثق برأسمال 50 مليون دينار في 13 ديسمبر 1961 لخلق شراكات اقتصادية لا أحلاف عسكرية أو منظمات سياسية، وحين ضربتنا الحرب العراقية الإيرانية كانت الكويت لا تزال مترددة في تفعيل البعد السياسي عبر مساعداتها الخارجية، حتى امتنعت نيكاراغوا وزمبابوي عن استنكار الهجوم الإيراني على الناقلات الكويتية فتمت مراجعة تلك السياسة جذرياً. وإن كان قد قيل بأن العلاقات الاقتصادية الكويتية كانت «ثمناً لحماية العرب للكويت» أمام خطر قاسم في 1961، وثمناً لجمع 33 دولة طردت صدام في 1991.فصل الاقتصاد عن السياسة أمر معقد، لكن ما يمكن اعتباره محفزاً ضمنياً لنجاح القمة أن سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد -حفظه الله- هو صانع الدبلوماسية الكويتية في الخمسين عاماً الماضية، وهو من أراد تحييد السياسة، كما صرح بذلك وكيل وزارة الخارجية، السيد خالد الجار الله. ويدعم قدرة الكويت لتحقيق هذا الهدف أمور منها:- لم يأت فصل السياسة عن الاقتصاد كشعار ذي سهولة خطابيّة، بل منهج يسنده إرث بناه صاحب المبادرة نفسه في إقامة الشراكات الاستراتيجية الاقتصادية في بعديها العربي والإفريقي.- تباين وجهات النظر السياسية، ووجود خلافات عالقة عدة بين الأطراف المشاركة بالقمة الأفريقية العربية يجعل تحييد الطرح السياسي المخرج الأفضل لنجاح القمة.- يدعم رأي سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد في تحييد الطرح السياسي نجاح أكثر من تجمع اقتصادي سابق بالكويت، آخرهما مؤتمر حوار التعاون الآسيوي والقمة الاقتصادية العربية.- التصرف بدون مرجعية للقيم الاقتصادية الحقيقية والانقياد وراء مكاسب سياسية سيحول دون تأطير التعاون في منظومة ذات ديمومة، وهذا ما حصل في قمة سرت - ليبيا في أكتوبر 2010.ونختم بالقول إن التناقض ليس في فصل السياسة عن الاقتصاد؛ فكم من قمة أطلق فيها العنان لمبادرات غير محسوبة فلم تقم مشروعات ذات جدوى. بل أن التناقض الساخر هو حين دخلت السياسة في القمة الأفريقية العربية «Afro- Arab-summit» الأخيــرة، والتــي رفــض القذافــي اسمهـا فخرجت أوراقها وموقعها على النت مخالفة لشعارها باسم القمة العربية الأفريقية. فهل ينجح البيان الختامي المنتظر باسم «إعلان الكويت» في إثبات أن تحييد السياسة عن القمم الاقتصادية، ليس خروجاً على نواميس العلاقات الدولية، فكم من قمة قتلتها تناقضاتها لطغيان السياسة على الاقتصاد.