في جلسته التي عقدها بتاريخ 4 ديسمبر 2013 طالب مجلس النواب بزيادة رواتب موظفي الدولة بنسبة 20%، إلا أن وزير المالية رد عليهم قائلاً: «الزيادة المقترحة تثقل كاهل الدين العام الذي تعاني منه البحرين وإن زيادة الدين العام ستنعكس بالنهاية على المواطن نفسه الذي سيتضرر كثيراً من هذه المساعدات الحالية التي يريدها الجميع». وزير المالية قال أيضاً: «زيادة رواتب الموظفين بزيادة الدين العام لايخدم المواطنين، أرجو عندما ينظر في الموضوع أن نعمل بمجموعة من التشريعات والقوانين لتحفيز نمو الاقتصاد، التحدي اليوم ألا نزيد الدين العام». عدد من النواب ردوا على الوزير- الذي كان قد غادر القاعة-أن الحكومة لا تثير الدين العام إلا حين الحديث عن زيادة الرواتب، على الحكومة أن توقف هدر المال العام لتخفيض الدين العام والتمكن من زيادة رواتب الموظفين. غير أن سعادة الوزير لم يقل للنواب ولا لشعب البحرين منذ متى ولماذا ارتفع الدين العام إلى هذا المستوى، ومن هو المسؤول، بل والقادر على تخفيضه...؟وهو- أي سعادة الوزير- يعلم أن ارتفاع الدين بوتيرة متسارعة لم يبدأ في عام 2013 وحتى في عام 2011 وإنما كان ذلك في عام 2003 وقتها كان الدين العام في حدود 600 مليون دينار أي بنسبة 0.5% من الناتج الإجمالي المحلي، وواصل ارتفاعه بعد ذلك حتى وصل في عام 2009 إلى 2.25 مليار دينار أي بنسبة 29% من الناتج المحلي، ثم قفز إلى 4.2 مليار دينار في بداية 2013 وإلى 5 مليارات دينار في نهاية 2013، ويتوقع أن يصل إلى 5.9 مليار دينار في نهاية 2014 أي أكثر من 52% من الناتج الاجمالي المحلي، ليصل إلى نحو 7.7 مليار دينار في العام 2018 وهو ما يمثل أكثر من 61% من الناتج الإجمالي المحلي. إن هذه الأرقام التي تحدث عنها من قبل صندوق النقد الدولي في آخر تقرير له وطالب حكومة البحرين بضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية شاملة تشمل الحد من النفقات العامة، والتفكير بشكل جدي في إعادة هندسة الدعم الحكومي المقدم لبعض السلع الاستراتيجية، واحتواء زيادات الأجور في القطاع العام، وزيادة الإيرادات غير النفطية...نفس الأرقام أكدها تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير وأضاف عليها قوله: «إن ارتفاع سقف الاقتراض والدين العام للسنوات الاربع الماضية بوتيرة متصاعدة يبعث على القلق، حيث إن سقف الاقتراض ارتفع الى 5 مليارات دينار في عام 2012 مقارنة بمبلغ 1.9 مليار دينار في عام 2009 أي بزيادة 3.1 مليار دينار وبنسبة بلغت 163%، كما ارتفع رصيد الدين العام في 2012 الى 3.9 مليارات دينار، ونتيجة لذلك بلغت الفوائد المترتبة على الدين العام في 2012 حوالي 150 مليون دينار.وعن الحلول التي تلجأ إليها الحكومة لمعالجة الارتفاع المضطرد في حجم الدين العام، قال تقرير ديوان الرقابة: «إن استمرار تمويل العجز في الميزانية، وسداد القروض المترتبة عليه عن طريق الاقتراض، قد يعرض الحكومة إلى تخفيض تصنيفها الائتماني، وبالتالي فرض معدلات فوائد عالية على القروض، وفرض شروط إضافية في عقود التمويل كتقليل فترة سداد التمويل، وطلب ضمانات للتسديد من قبل الجهات الممولة، كما قد يعرض الدولة لمخاطر عدم قدرتها على الوفاء بتلك الالتزامات مستقبلاً، بالإضافة إلى تحمل الميزانية العامة للدولة أعباء إضافية تتمثل في الفوائد المترتبة على تلك القروض». هذه الملاحظات والمطالبات التي دأب صندوق النقد الدولي، ومعه ديوان الرقابة المالية على تقديمها في تقاريرهما المتعاقبة لم تأخذ بها الحكومة، بل إنها استمرت في تغطية الديون بالاستدانة، ومؤخراً لجأت إلى خيار الاستدانة طويلة الأجل لتحاشي الالتزام بمواعيد استحقاق سريعة لديونها، حيث تم استصدار سندات تنمية حكومية بقيمة 350 مليون دينار لمدة 7.5 سنوات، اي تستحق في مارس 2021 وهو ما سيكلفها دفع فوائد أعلى من تلك السائدة في الأسواق الدولية.كما واصلت الحكومة زيادة النفقات العامة، وبند الأجور في الميزانية العامة لتغطية التضخم الوظيفي الناجم عن وجود أكثر من 80 مسؤولاً في الحكومة برتبة وزير في دولة صغيرة كالبحرين، لا أحد يدري كم هي رواتبهم ولا كم يكلفون الدولة ولا ما هي إنتاجيتهم التي تبرر هذا التوظيف الكبير. إن العلاج الحقيقي لمسألة العجز في الميزانية ومن ثم ارتفاع الدين العام يتمثل في إجراء تقليص حاد في بند المصروفات المتكررة، فالبحرين كما حالها في عام 1973 لا تحتاج إلى أكثر من 14 وزيراً، يتحملون مسؤولية كافة الحقائب الوزارية، كما هو الحال في الكويت. كما أنها بحاجة إلى وضع حد أدنى وحد أعلى للأجور لتفادي مغالاة المسؤولين في أخذ رواتب لا يستحقونها، وهو ما انفرد به الدستور المصري الجديد الذي باركته البحرين، وهي بحاجة كذلك إلى إجراء إصلاح اقتصادي شامل، وإصدار ميزانية مشروعات شفافة وشاملة لكل الإيرادات والمصروفات العامة بدون استثناء، كما تقول الاستراتيجية الاقتصادية 2009-2014.وبهذا العلاج ستتمكن الحكومة من الحصول على المال الذي تحتاجه لتحسين رواتب الموظفين الصغار، وتحسين المعيشة بشكل عام، وتحسين تصنيفها دولياً.
Opinion
الحكومة محتاجة فلوس
23 يناير 2014