بعد محاولات فاشلة بذلتها الحكومة لإلغاء الدعم عن الديزل والإسفلت والمواد الغذائية، جاء دور الكهرباء ووجدنا هيئة الكهرباء والماء تفاجئ الناس بشن حملة تدعوهم فيها بتسديد ما عليهم من فواتير الكهرباء أو قطع التيار عنهم إما من داخل البيت أو من خارجه. الهيئة تبرر حملتها هذه بأنها تريد استرجاع مبلغ 148 مليون دينار، هي مجموع الديون المستحقة والمتأخرة على القطاعين السكني والتجاري، ومشتركة بين المواطنين والأجانب، بين الأغنياء والفقراء.التصريحات الصادرة من المسؤولين في هيئة الكهرباء تقول إنهم بدؤوا بأصحاب الفواتير التي تبدأ من 50 ألف دينار فما فوق، وأنهم استطاعوا خلال شهري ديسمبر ويناير أن يستحصلوا من هؤلاء مبلغ 13 مليون دينار، وبالتالي تبقى بذمة المستهلكين مبلغ 135 مليون دينار. الأسئلة التي تفرض نفسها هنا على الهيئة هي: - مبلغ 148 مليون دينار هذا ليس جديداً، بل إننا قرأنا مثله قبل ثلاث سنوات على الأقل، وفي خضم تهديدات الهيئة - الحكومة بقطع التيار الكهربائي عن الذين يمتنعون عن التسديد. - الهيئة تقول إن مجموع المبلغ المستحق على المنامة (السكني والتجاري) هو 14 مليوناً و800 ألف دينار علماً أن المنامة مليئة بالأسواق والفنادق والبنايات، وأن مجموع المبلغ المستحق على المحرق هو 14 مليون دينار. وأننا لو افترضنا -مبالغة- أن المحافظات الثلاث الأخرى مطالبة بنفس المبلغ سنجد أن مجموع المبالغ المستحقة على المحافظات الخمس هو في حدود 70 مليون دينار، والسؤال هو من هي الجهة أو الجهات المطالبة بالفرق أي مبلغ 75 مليون دينار. هل هي وزارات ومؤسسات حكومية، البلديات تقول إن لديها رسوماً بلدية على هذه الجهات غير مدفوعة تقدر بمئات الآلاف من الدنانير، وبما أن رسوم البلدية والكهرباء في فاتورة واحدة فهذا يعني أن هناك مستحقات كهرباء على هذه الجهات أيضاً، وزير شؤون هيئة الكهرباء سبق له أن صرح بأن متأخرات الكهرباء تشمل مؤسسات ووزارات حكومية. فإذا اتفقنا على هذا الاستنتاج وعلى أن المبالغ المستحقة على هذه المؤسسات والوزارات هي الأخرى قديمة ومتراكمة وتصل إلى ما هو أكبر من مبلغ 70 مليون دينار، فهذا يتطلب من الهيئة - الحكومة أن تبدأ بنفسها وتكون قدوة لغيرها وتسدد ما عليها من فواتير الكهرباء، خاصة وأن تصريحات المسؤولين في هيئة الكهرباء تقول أيضاً: إنهم صحيح بدؤوا بتطبيق قرار الدفع أو القطع على من عليه 50 ألف دينار وأكثر، إلا أنهم نزلوا بحجم هذه المبالغ حتى وصلوا إلى أصحاب فواتير 5 آلاف دينار، ومنهم سينتقلون إلى الأقل ثم الأقل. - السؤال التالي إذا كانت هيئة الكهرباء تهدف من وراء حملتها هذه إرغام الممتنعين عن الدفع، والذين يشكلون الغالبية العظمى من البحرينيين، وأن هؤلاء امتنعوا عن الدفع أو تسديد فواتير الكهرباء بعد تلك المكرمة التي شملت مقتدرين من أصحاب الحسابات الكبيرة جداً، إلى جانب البسطاء والمحدودي الدخل، وأن هؤلاء وأولئك باتوا ممتنعين عن الدفع منذ سنوات تزيد عن العشر، ولم يمتنعوا أمس أو قبل سنة واحدة، وأنهم جميعاً يأملون في مكرمة جديدة ومماثلة لتلك التي شملت المقتدر والعاجز عن الدفع. والآن وبعد صمت حكومي عن الذي عليها وعلى غيرها، وبعد أن تراكمت المبالغ طوال هذه السنوات، تأتي الحكومة لتطالب الممتنعين -وعلى الأخص غير المقتدرين- بدفع مبالغ الفواتير الجارية، إضافةً إلى دفع المبالغ المتخلفة بالتقسيط ولمدة عام أو عامين. لماذا انتظرت الحكومة كل هذه السنوات دون أن تقدم هذا الحل أو غيره في وقت مبكر، ولماذا الآن وبعد أن اشتدت الأزمة وتراكمت المبالغ المستحقة، هل لأن الحكومة بحاجة إلى مال يساعدها في دفع مصروفاتها، وفي التقليل من عجز الميزانية العامة غير المبرر، وارتفاع الدين العام، أو من أجل تسديد خدمة هذا الدين التي تفوق مبلغ 145 مليون دينار سنوياً.هل لأنها فشلت في إقناع النواب وعموم الشعب بإجراء إلغاء الدعم عن المشتقات النفطية والمواد الغذائية، وعجزت عن تقديم البديل لذلك الإلغاء، فلجأت إلى حصالة الكهرباء علها تستطيع من خلالها تلبية حاجتها من المال. إن مشكلة فواتير الكهرباء المتراكمة والمستحقة تحتاج بالفعل إلى حل، ولكن ليس الحل الذي يفاجئ الناس بقرار (الدفع أو القطع)، ولكن ذلك الحل الذي يكون نتاجاً لدراسة شاملة ومتأنية تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، ومستويات وغلاء المعيشة، وتوزع المستهلكين إلى فئات قادرة ومحدودة الدخل وعاجزة. وغير ذلك، وإذا كانت الحكومة في عجلة من أمرها للحصول على مال، فعليها أن تركز اهتمامها على مئات الملايين من الدنانير التي بددتها الوزارات والهيئات والشركات والمؤسسات الحكومية، وكشفت عنها تقارير الرقابة المالية، فبهذا الاسترداد ستجني الحكومة أكثر بأضعاف من مبلغ المائة وخمسة وأربعين مليون دينار.