يبدي البعض عدم رضاه وانزعاجه من سماع أخبار القبض على بعض المطلوبين، فينشر تغريدات ملخصها أن فلاناً «اعتقل» فجراً أو وهو في عز النوم أو وهو عائد من الخارج أو.. وهو دون الثامنة عشرة، ويحرصون على تصوير الحدث والمبالغة فيه بالإشارة إلى أن المعني مريض بالسكلر أو بالسكر أو بالضغط أو غير ذلك. وهكذا تنتشر قصص وحكايات القصد منها القول إن الحكومة قاسية وإنها لا تراعي الظروف الإنسانية للمطلوبين. هذا يعني أنهم يطالبون بـ «الاعتقال المرن» الذي يتيح لمن يراد حجزه لسبب أو لآخر أن يكون هو المتحكم في المشهد وليس الدولة! لنتصور أن المكلفين بالقبض على شخص ما ذهبوا إلى بيته وطرقوا الباب وخرج لهم ذووه وقالوا لهم إن فلاناً نائم وعليكم إن أردتموه أن تعودوا إليه لأنه لا يحب أن نزعجه! أو يقولون لهم إن فلاناً الآن «امصخن» أو يمر بفترة علاج فلا تزعجوه.. وسنسهل لكم الأمر مستقبلاً.. إن شاء الله! هذا أمر غير منطقي ولا يمكن أن يحدث، فالمعنيون بالقبض على شخص ما، خصوصاً إن كانت لأسباب تتعلق بالتخريب والتعدي على الأمن، مهمتهم الإتيان به ساعة صدور الأمر، وظروفه لا تعني لهم شيئاً. هذا حالهم وحاله في كل البلدان وأياً كان نوع السلطة.ليس منطقاً أن يتم تأجيل القبض على شخص مطلوب لأنه الآن مستغرق في النوم أو أنه في القيلولة وأن أهله لا يريدون له أن ينزعج! وليس منطقاً قبول أي عذر وإلا «صارت لعبة» وصار أمام المطلوبين فرص كثيرة للهروب. منطقياً لا يمكن للدولة أن تأمر بالقبض على شخص لا علاقة له بما يجري من أحداث، بل إن للدولة -أي دولة- أن تلقي القبض على كل من تشك في أنه متورط في الأحداث، وهي تتعامل معه حسب القانون وتحيله إلى النيابة والمحكمة إن تبين لها أنه متورط وصار في يدها من الأدلة ما يمكن أن تدينه بها، وتفرج عنه إن تبين لها أنه على غير علاقة بالموضوع، فهذا حق الدولة. لكن الأكيد بل الأكيد جداً أن الدولة -أي دولة- لا تفرط في هذا الحق ولا «تدلع» من تريد القبض عليه أو اعتقاله، فليس من حقوقه تخييره لانتقاء وقت القبض عليه، وليس من الديمقراطية مراعاة ظروفه المعيشية وأحواله الصحية أو عمره ساعة القبض عليه.الطبيعي هو أن الدولة تمارس حقها ليستتب الأمن وتهدأ البلاد ويتم تجفيف مصادر التخريب، وهذا لا يكون إلا بالقبض على المتورطين أو المشبوهين وهو لا يكون بأخذ رأيهم والتشاور معهم لاختيار ساعة القبض عليهم أو إن كانوا يرغبون في ذلك أم لا!ما يحدث الآن هو أنه فور القبض على متهم تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بالتغريدات التي تنتقد الدولة وتهاجم المسؤولين والمعنيين بموضوع القبض عليه، وتستلم بعد ذلك الفضائيات «الراعية» الراية لتمارس دورها وتبالغ في الأمر فتروي قصصاً يصعب تصديق بعضها، وهكذا يستمر العزف على مجموعة الأوتار التي يراد منها تشويه سمعة الدولة وإقناع العالم بأنها تمارس ظلماً، ففي عرف هؤلاء أنه ليس لحكومة البحرين على وجه الخصوص أن تمارس حقها في الحفاظ على الأمن وأنه إن أرادت فإن عليها أن تتكيف مع ظروف من تريد القبض عليهم ومحاكمتهم، فتستأذن منهم وتحصل على موافقتهم أولاً وما إن كانوا يحبون أن يقبض عليهم أم لا وأن تترك لهم اختيار الساعة التي يمكن للدولة أن تعتقلهم فيها!الكلام ساخر لكنه يكشف عن واقع، فهؤلاء بالفعل يريدون أن تسير الأمور كما يشتهون، وهذا غير منطقي وغير ممكن.