قبل أشهر قليلة نبست أصوات خفيضة، في البحرين، داعية لدعم المجاهدين (السُنة) المحاصرين من قبل الحوثيين في «دار الحديث» بمنطقة دماج بمحافظة صعدة شمال اليمن!، لكن تلك النبسات لم تلقَ استجابة فلم ترقَ إلى مستوى الصيحات. غير أن مجموعة من البحرينيين فاجؤونا بصورهم على جبال صعدة فخورين بارتدائهم الخنجر اليماني، وبتواجدهم في بقعة الإيمان والحكمة و.. الجهاد!، فلماذا يزج بعض «البحرينيين» أنفسهم في أتون صراعات داخلية في بعض الدول العربية لها أبعاد طائفية؟!!حكم الزيديون اليمن مئات السنوات؛ والحقيقة التي يجب أن نعتنقها أن المذهب الزيدي هو أقرب المذاهب الشيعية لأهل السنة، بل إن بعض الفقهاء يعتبرونه المذهب السني الخامس. فهو لا يؤمن (بالولاية الإلهية) لآل البيت عليهم السلام على غرار المذاهب الشيعية (الإمامية)، والزيدية يقرون بخلافة الصحابة الثلاثة الكبار رضي الله عنهم، ولا يطعنون في عدالة الصحابة ولا يجمعون الصلوات ولا يخمسون الأموال ولا يتزوجون زواج متعة، وكبار علماء الزيدية مثل الإمامين الصنعاني والشوكاني هم من علماء أهل السنة المعتبرين. وولاء الزيدية لآل البيت ولاء سياسي يفضلونهم عن غيرهم في تولي حكم المسلمين، ومع هذا فهم أصحاب نظرية جواز تولي المفضول في وجود الأفضل، وبذلك فإن الزيدية يعيشون مع باقي المذاهب السنية في تفاهم واستقرار ولا تكاد الفروق تبين بينهم. وما شهده اليمن من تحول بعض الزيدية من أتباع بدرالدين الحوثي إلى المذهب الشيعي الإثني عشري يعد خروجاً عن أصول الزيدية وليس تفرعاً منها.في أحد المقالات التي قرأتها عن تاريخ الصراع في منطقة (دماج)، أن المنطقة كانت زيدية بالكامل، إلى أن ذهب الشيخ مقبل هادي الوداعي إلى السعودية وعاد، مطلع الثمانينات، وقد اعتنق الاتجاه السلفي السني تاركاً الزيدية ومؤسساً مركز «دار الحديث». ثم حدث تحول آخر بعودة الشيخ بدرالدين الحوثي من رحلاته إلى إيران ولبنان وعودته نهاية التسعينات إلى اليمن وقد اعتنق المذهب الشيعي الإثني عشري، وترك هو الآخر الزيدية وأسس المراكز العلمية المروجة لمذهبه الجديد. ونتيجة الافتراق الحاد بين الأفكار الجديدة التي اعتنقها الطرفان (الوداعي والحوثي) في منطقة صغيرة كان لا بد أن يحدث الصدام بينهما.هذه التحولات المذهبية التي شهدتها اليمن تعطينا مؤشراً عن الاتجاه الذي تنجرف إليه المنطقة، وهو اتجاه متطرف يقضي على المذاهب المعتدلة ويعادي الأفكار الوسطية. وكما يحظى الحوثيون بدعم إيراني يكفل لهم التدريب العسكري وإمدادات التسلح عبر البحر الأحمر والإغداق المالي. فإن صراع السلفيين في دماج مع الحوثيين تخللته دعوات قَبَليّة (للفزعة) من أجل المحاصرين في دار الحديث، وكادت تكون فزعة سلفية عارمة تستقطب المجاهدين من بلدان عديدة، وعلى رأسهم تنظيم القاعدة في جنوب اليمن. الأمر الذي كان سيؤدي إلى مقتلة تاريخية للحوثيين إن اكتملت الفزعة. لكن الحكومة اليمنية تدخلت ونزعت فتيل الأزمة، مؤقتاً.ونعود للسؤال الأول الذي طرحناه في بداية المقالة؛ لماذا يزج بعض «البحرينيين» أنفسهم في أتون صراع طائفي «مفتعل» لم تعرفه اليمن طوال تاريخها العريق؟ هل تذكرون تسلل بعض «البحرينيين» إلى الأراضي السورية ولقائهم بالجيش الحر؟ ألم تنته الثورة السورية إلى «فزعة» عشرات الآلاف من الجهاديين من كافة أقطاب الكرة الأرضية للقضاء على العلويين؟ ألم تنجرف القضية السورية إلى حرب طائفية أشبه بمعارك الجاهلية البائدة؟ هل يُخطط لليمن أن تنتهي قضاياها كما انتهت إليه الأمور في سوريا؟ خصوصاً أن آلاف العناصر الجهادية من أفراد القاعدة (متعددي الجنسيات) يتمركزون جنوب اليمن؟!!إنها دعوة نوجهها إلى المسؤولين الأمنيين في البحرين لمساءلة «رُسُل» الطائفية الذين يتوافدون على بلدان الصراع الطائفي في الوطن العربي مثل سوريا واليمن، ولمحاسبة «مندوبي» الطائفية في مقرات الأحزاب السياسية الطائفية في كربلاء والنجف والضاحية الجنوبية. فما هي علاقة هؤلاء بأطراف الصراع في تلك البلدان؟ وما هو دورهم في تلك القضايا؟ وما هو انعكاس تلك العلاقات والتقاطعات مع الوضع المتأزم في البحرين؟ فالبحرين بلد منقسم طائفياً غير أنه مازال متعايشاً، والحمد لله، ونشاط الرسل والمندوبين يهدد ما بقي لنا في البحرين من حالة السلم والتعايش. وما دمنا في موسم الحوار الثالث فإن هذا الملف جدير بأن يكون أحد أولويات حل أزمات البحرين. وأحد الخطوط الحمراء التي يتعين على الجميع الالتزام وعدم تجاوزها قولاً أو فعلاً، أو حتى تفاعلاً ودعماً مع دول الجوار.