رحــب العالم بمفاوضات «جنيف 2» بين الأســد والمعارضة لكونها السبيل الحضاري الوحيد لمعالجة الجرح الإنساني النازف هناك، لكن الأسد لم ينظر إلى جنيف كفرصة للمواجهة مع المعارضة كما توقع الكثيرون بل للمراوغة وكسب الوقت، فقد كرر فريق الأسد بشكل آلي نغمة مكافحة الإرهاب باسترسال حال دون اختراق في جمود المفاوضات، ثم أعلن الوسيط الدولي الأخضر الإبراهيمي انتهاءها 15 فبراير 2014م والوصول لطريق مسدود، فما الذي كان يفعله فريق الأسد؟ وما هي التحركات الإقليمية والدولية المطلوبة؟لقد انقلبت الأمور خلال الستة الأشهر الماضية رأساً على عقب، فقد كان الأسد يستجدي المجتمع الإقليمي والدولي حلاً سياسياً للأزمة، في حين كان الجميع يطالب بحل عسكري، ونجح الأسد في مسعاه ثم عقد مؤتمر «جنيف 2» لنكتشف أنــه لا يملك حلاً سياسياً لصالحه، ولا سبيل أمامه للبقاء إلا بالحل العسكري، وحتى لا يوصم بالإرهاب وهو ينجز مشروعه العسكري بالأعمال الإرهابية لشبيحته وحزب الله والمليشيات العراقية التي معه؛ استبق الأمر ورفع راية محاربة الإرهاب كسد تفاوضي يحول دون وصول المفاوضين لنقطة المرحلة الانتقالية بدون الأسد، واستنتاجاً مما سبق توصلنا إلى أن النظام جاء لجنيف لتحقيق أمرين:-1 في زمن تعد فيه قوة قناة الجزيرة والعربية الإخبارية بقوة مقعد دائم في مجلس الأمن أو بقوة ضغط حاملة طائرات أو برنامج نووي، يأتي كسر الحصار الإعلامي هدفاً في غاية الأهمية للأسد لتسويق أمر بقائه لمناوئيه من باب أن الابتعاد عن العدو أخطر من البعد عن الصديق. ولنا أن نستقرئ في مؤتمر مثل «جنيف 2» -ترعاه الدول الكبرى- مدى السفاهة السياسية عندما تطرح الحلول السياسية من قبل فريق لا ساسة بينهم إلا شخصان، فيما تأتي الأصوات العالية من أستاذة للشعر العربي المقارن، ومذيعة كانت تقدم برنامجاً نسائياً، وليس في ذلك بخس للوظيفتين، لكنه تسفيه لجسارة بثينة شعبان ولونا الشبل في ادعاء السياسة والدفاع عن وحش قابع في هيكل إنسان.-2 حضر فريق الأسد لجنيف لأنه مجبر على ذلك، فالحضور يعني الموافقة على «جنيف 1» المتضمن مرحلة انتقالية بدون النظام، فأراد استغلال الفرصة لتحقيق حسم عسكري على الأرض لخلق ظروف تفاوض أفضل، وأهم شكل للحسم هو خلق مأساة إنسانية تشد انتباه العالم عبر المهجرين واللاجئين، فكانت البراميل المتفجرة التي نشطت مع بداية كل جولة تفاوض أنجع الوسائل لطردهم من بيوتهم، حيث بلغوا حوالي 4.10 ملايين لاجئ، وهو رقم كاف لإخضاع العالم للابتزاز العبثي عبر دبلوماسية البراميل المتفجرة.إن توقف «جنيف 2» فرصة وليست انتكاسة لائتلاف المعارضة لتقديم أنفسهم بشكل أفضل عبر إزالة عشائر «داعش» الهمجية وهم يحزون رقاب الأبرياء من صدارة مشهد الثورة، مما يقرب الأكراد والمسيحيين وحتى العلويين لكراسي وفد المعارضة. كما إن الفشل سيدفع مجلس الأمن للتدخل، حتى ولو لوح الروس بالفيتو وربما بشكل أقوى مما سبق. لكن ما يجب اقتناصه خليجياً من توقف «جنيف 2» هي الفرصة لوقف دبلوماسية البراميل المتفجرة، عبر تسليح المعارضة بالسلاح الصحيح الذي يحد من وحشية براميل جهنم، فقد ذكرت تقارير عسكرية أن وسيلة إيصالها هي طائرات الهيلكوبتر التي تحلق على ارتفاع 4كم على الأقل، مما يعطي من يتصدى لها فرصة 5 دقائق للتعامل مع الطائرة والبرميل المتفجر باستخدام سلاحين لا ثالث لهما؛ الأول هـــو صاروخ أرض/جو ستينغـــر «FIM-92 tinger» المحمـــول على الكتف، والموجــه بالأشعـــة تحـــت الحمراء، ويكفل جدارته فرار حوامات السوفيت من سماء أفغانستان بعد أن افتتح المهندس الأفغاني «غفار» من رجال قلب الدين حكمتيار مهرجان قتل الخفافيش بإسقاطه أول هيلكوبتر سوفيتية من نوع «Hind» في جلالاباد عصر يوم 25 سبتمبر 1986م.أما السلاح الثاني فهو الصاروخ السوفيتي أرض/ جو قصير المدى استريلا «SAM-7» المحمول على الكتف ويعمل بالتوجيه الحراري، ويزكي جدارته رجال الدفاع الجوي الكويتي الذين أسقطوا 3 طائرات هيلكوبتر ومقاتلة نفاثة عراقية في معركة فوق «صبحان» في نصف ساعة ضحى 2 أغسطس 1990م. وكلا الصاروخين متوفران في مخازن الأسلحة الخليجية أو في متناول اليد إضافةً إلى توفرهما في السوق السوداء، فالاستثمار الخليجي في سوريا مساوٍ بالجدوى الاستراتيجية للتمويل الخليجي لصفقة سلاح روسية لمصر بعشرة ملايين دولار!