كيف نقرأ مشهد تفجير السفارة الإيرانية في لبنان؟ المشهد ببساطة يعبر عن مناورات طائفية كانت تتحرك مثل كرة التنس بين مناطق سنية وأخرى شيعية في لبنان، والآن صارت تطال مصالح لها ثقل ذو دلالة طائفية أيضاً مثل مقرات السفارة الإيرانية التي يقال إنها تضم فضلاً عن الهيئات الدبلوماسية تمثيلاً لفيلق القدس وللحرس الجمهوري. وهذا قد يرجح أن يكون الهدف الثاني مصالح دولة موازية لإيران.. قد تكون السفارة السعودية مثلاً.وليس خافياً أن تفجير السفارة الإيرانية ذو علاقة بالوضع في سوريا وبكلمة حسن نصرالله زعيم حزب الله الأخيرة في عاشوراء وبالملف النووي الإيراني. فكلما تقدم الوضع الميداني في سوريا لصالح نظام بشار الأسد تتفجر الأوضاع في اتجاه يخلط أوراق تفاهمات «جنيف 2» الذي بات واضحاً أن حصادها يعتمد على المكاسب الميدانية داخل سوريا، فبعد التقدم الذي أحرزه نظام الأسد في معركة القصير والمناطق الأخرى تفجرت قضية استخدام السلاح الكيماوي الذي لم تحسم نسبته لأي من الفريقين لحد الآن، واليوم بعد التقدم الكبير للجيش السوري في منطقة القلمون يعود تكتيك خلط الأوراق من جديد باستدعاء إيران إلى المشهد، الذي لم تغب عنه، لكن بمبرر حقيقي هذه المرة يسمح لها بالتدخل العلني وهو استهداف هيئاتها الدبلوماسية. من جهة ثانية أعلن حسن نصرالله في كلمته بمناسبة ذكرى عاشوراء أنه لن يتخلى عن حلفائه الذين لم يتخلوا عنه، ويقصد بحلفائه نظام بشار الأسد وإيران، وكان قد أعلن أثناء معركة القصير أن عناصره تشارك في القتال إلى جانب الجيش السوري النظامي وأن لها دوراً كبيراً في حسم المعارك لصالح النظام السوري وفي حماية العتبات الشيعية المقدسة في السيدة زينب. أما في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني فإن الترجيحات تشير إلى تفاهم غربي إيراني لصالح طهران وقد يكون هذا تفسيراً للشائعات التي سرت بشدة، والتي نقلها عبدالرحمن الراشد في مقاله الأخير، عن عزم السعودية امتلاك الطاقة النووية مستعينة بالخبرة الباكستانية. والارتباطات الثلاثة السابقة التي هي في صالح الحلف السوري الإيراني وحزب الله قد تكون هي ما دفع إلى تفجير الأحداث من جديد بتوسيع رقعة الفوضى والعنف وتوريط دولة رخوة مثل لبنان في المستنقع السوري.ولكن السؤال المهم هنا هو لماذا تم استهداف السفارة الإيرانية في لبنان ولم يتم استهداف حزب الله؟ وقد يكون الجواب الأخطر أن المستهدف الحقيقي هو لبنان بتركيبته المغرية وبمشكلاته المستعصية عن الحل وبثاراته القديمة. الحرب الأهلية السابقة دخلت فيها أطراف إقليمية عديدة، والآن الحرب في سوريا تتدخل فيها أطراف إقليمية عديدة، وتلك الأطراف لها تمثيلها ولها وكلاؤها في لبنان. وإعلان جماعة «عبدالله عزام» التابعة لتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن تفجير السفارة الإيرانية يعد مؤشراً خطراً لتنامي تواجد القاعدة في بلد متعدد الطوائف والأعراق والأمزجة مثل لبنان. والتفجير يدل على مساندة استخباراتية ولوجستية تتعدى إمكانات القاعدة لا يستبعد أن تكون إسرائيل طرفاً فيها. لذلك قد يكون الهدف القادم تفجير إحدى السفارات الخليجية كرد «بالمقابل» على تفجير السفارة الإيرانية ليعود لبنان من جديد أداة لتصفية الحسابات ويتحول اللبنانيون من جديد إلى محاربين بالنيابة.من يقف خلف تلك الفوضى المتفجرة هو نفسه من أشعلها في المنطقة العربية ابتداء من العراق حين تم تغليب المكون الشيعي على باقي المكونات بعد إسقاط الدولة العراقية، وانتهاء بسوريا حين تم تحويل ثورتها إلى ثورة طائفية ضد الطائفة النصيرية وحزب الله وإيران، وما بين ذلك نشر فلول القاعدة في اليمن ومصر وليبيا. إنه مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تتغير أرديته ويبقى الجسد محافظاً على تفاصيله الأصلية، حرب طائفية بالنيابة وانتشار للتيارات المتشددة في الخارطة العربية، ومادام العرب راضين بأن يبقوا أدوات في أيدي غيرهم فإن عمر هذه المعارك المتفرقة سيطول طول زمن غفلة العرب.