في مقابلة أجرتها معه أخيراً الزميلة «الشرق الأوسط»، قال مدير مركز الخليج للأبحاث عبدالعزيز بن صقر إنه «يجب على إيران الكف عن التدخل في شؤون دول الخليج وإثارة القضايا الطائفية من أجل تحسين العلاقات بينها وبين بقية دول الخليج»، وأضاف «أقوال المسؤولين الإيرانيين لا تتطابق مع تصرفاتهم، لأنهم يطالبون ببناء علاقات جيدة مع دول الخليج في الوقت الذي تشن الصحف ووكالات الأنباء والقنوات الفضائية الإيرانية مثل (العالم) حملة إعلامية تناقض التصريحات الإيرانية». هذا هو لب المشكلة مع إيران، ومع هذا لا تتردد عن تكرار القول نفسه في الوقت الذي تمارس فيه الفعل نفسه! بل إنها تنكر ما تقول وما تفعل ولا تجد حرجاً في التبرير لو «وقعت» في الحرج!إيران ومنذ اللحظة الأولى لاعتلاء العمائم عرشها عام 1979 شغلت نفسها بتصدير الثورة وبالتدخل في شؤون الآخرين، معتبرة نفسها الوصي على الإسلام والمسلمين والمناصر لكل مظلوم في العالم، لكنها لم تحاول أبداً أن تقدم نفسها كنموذج يحتذى به. ربما لو فعلت هذا لوفرت على نفسها الكثير ولقصدها القريب والبعيد ليحذو حذوها وليتعلم منها. إيران لم تتمكن من القضاء على الفقر في مدنها وقراها، ومع هذا لا تتردد عن «تكويك» مواطني دول التعاون، والمسلمين بشكل عام، على حكوماتهم للمطالبة بالتحرر من الفقر! إيران لم تتمكن من الإفلات من ممارسة التمييز بين مواطنيها الشيعة ومواطنيها من أهل السنة والجماعة، ومع هذا تطالب مواطني التعاون بعدم القبول بأي شكل من أشكال التمييز ومحاربته ودفعهم لاتخاذه سبباً للوقوف في وجه قياداتهم. إيران تعتقل وتعذب وتقتل مواطنيها لمجرد إحساس ملاليها في لحظة معينة بأنهم يشكلون خطراً على النظام ولا تتردد عن محاكمة النوايا، لكنها ترفع الصوت عالياً فور أن تسمع أن البحرين، مثلاً، حجزت بعض مثيري الشغب لبعض الوقت، أو أنها تعاملت مع مخربين وإرهابيين بالطرق المتوافق عليها عالمياً. لم يحدث في البحرين مثلاً أن نادى أحد بقتل من ينتقد النظام أو يخرج في مسيرات ومظاهرات أو يعبر عن مطالبه بالاعتصام، ففي البحرين هذه الأمور ينظمها القانون ويكفلها الدستور، بينما لم يتردد أستاذ اللغة والأدب الفارسي خطيب جامع طهران، أحمد خاتمي، عن المطالبة بإعدام من اعتبرهم «مثيري الشغب» من المواطنين الإيرانيين الذين خرجوا للتعبير عن رفضهم لعمليات التزوير في الانتخابات الإيرانية (ربما لأنهم لم ينتبهوا إلى أنه تزوير إسلامي)!إيران تدعو جهاراً نهاراً إلى مقاتلة شعوب الخليج العربي لحكامهم وإسقاط أنظمتهم، ولا تتردد عن التصريح بطريقة أو بأخرى عن دعمها لكل من يرغب في ذلك بالمال والسلاح والنفوس، لكنها لا تسمح للمواطنين الإيرانيين أن ينتقدوا حكام إيران لأن هذا «لا يجوز شرعاً»، فمن يحكم إيران هو الولي الفقيه.. ممثل الله سبحانه وتعالى!هذه التناقضات التي عاشتها إيران، ولا تزال، حرمتها من تقديم نفسها كنموذج يمكن أن يحتذى به، فانكشف مستورها وبان معدنها غير الطيب، فلم تتمكن على مدى الخمس والثلاثين سنة الماضية من إقناع دول التعاون بأنها يمكن أن تكون صادقة معهم ولو للحظة واحدة. النتيجة المنطقية أن دول التعاون ظلت تتعامل مع إيران بارتياب، فهي ترى ما تعيشه هذه الجارة من تناقضات فكرية وتناقضات في الممارسة، تسمع منها ما يطيب الخاطر من كلام لطيف معسول، وترى ما يكدر الصفو من أفعال تعتبر في كل الأحوال تدخلاً في شؤونها ومحاولة للتسيد عليها. الذين يقومون بأفعال الفوضى في البحرين ما هم إلا أدوات، فالمحرض والمحرك الأساس لهم هي إيران التي تسير عارية وتريد أن تقنع العالم بأنها تسير بكامل ملابسها وزينتها!
Opinion
إيران.. النموذج العاري
04 مارس 2014