الرأي

قــرة أعــين

المسير

عن أنس رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير -وهو فطي- كان إذا جاءنا قال: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟». رواه البخاري. وعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة -يعني تصل إلى محل بعيد- فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك». وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً، فأرسلني يوماً لحاجة. فقلت: والله لا أذهب، وفي نفس أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم. فخرجت حتى أمر على صبيان، وهم يلعبون في السوق. فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم بقفاي -من ورائي- فنظرت إليه وهو يضحك. فقال: «يا أنيس، ذهبت حيث أمرتك؟». قلت: نعم، أنا ذاهب يا رسول الله. قال أنس: «والله لقد خدمته تسع سنين، ما علمته قال لشيء صنعت كذا وكذا، أو لشيء تركته: هلا فعلت كذا وكذا» رواه البخاري ومسلم.
لقد ضرب لنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في التعامل مع الأطفال، فكان عليه الصلاة والسلام يداعبهم ويلعب معهم ويتلطف بهم، وما أجمل أن يتمثل المرء الهدي القرآني والنبوي في تعاملاته مع أسرته وأبنائه على وجه الخصوص.
تعال فتأمل معي قول الله تعالى: «والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً». فقرة العين هنا كما تم تفسيرها إنما بصلاح وهداية الزوجة والذرية، إنها دعوة رقيقة يجدر بالمرء أن يكررها كل حين، بأن تكون ذريته صالحة تسير في الطريق المستقيم، همها إرضاء المولى الكريم، فما أحلى أن يجتمع الخطاب القرآني الرقيق مع الهدي النبوي الرصين الذي وصف لنا أجمل الوصفات التربوية في تربية الأبناء والتعامل معهم، وتربيتهم على القيم والآداب الإسلامية الفاضلة.
يقول الشيخ عبدالحميد البلالي: «يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» رواه البخاري. هذا الدعاء من ولده الصالح له بعد موته، لم يأتِ من فراغ، ولم يجبره أحد أن يفعل ذلك، لولا وجود دوافع لذلك الولد دفعته أن يفعل ذلك طواعية، من أهمها: قيام والده وبذله ما يستطيع من أجل إصلاحه، ذلك لأن دعاء الأبناء لآبائهم في حياتهم وبعد مماتهم، لا يمكن أن يأتي إلا من أبناء صالحين، ولعلم الآباء بذلك بذلوا ما استطاعوا من أسباب من أجل صلاح الأبناء».
إن مفهوم التربية لدى الآباء في هذا الزمان يجب أن يتجدد وأن يصحبه النية الخالصة والحرص على «أفضل التأديب» الذي لا يمكن أن يكون مجرد «قسوة وتهديد ووعيد» بقدر ما يكون ذلك الأسلوب المتجدد المتزن الحكيم الذي تراقب فيه الأسرة المولى تعالى، مبتغاها الأول «نشأة الأسرة والأبناء على تقوى الله» فالتقوى هي نواة التربية الأولى، وبها تصلح جميع الأمور. إننا اليوم بحاجة ماسة لتضمين مفاهيم «صلاح الأبناء» في جميع تعاملاتنا الأسرية، فلا تمر علينا شاردة ولا واردة إلا أرجعناها لميزان الشرع الحنيف، إنها أمانة كبرى سيحاسب عليها الأب، هل قام بواجباتها واهتم بإصلاح أبنائه وفلذات كبده؟ أم تركها وترك الحبل على القارب دون أدنى اهتمام أو توجيه أو متابعة؟ ألم يدرك هؤلاء أحوالهم يوم القيامة؟ ألم يتذكروا ثمرة صلاح الأبناء يوم القيامة؟ فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل لترتفع درجته في الجنة. فيقول: أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك» رواه الإمام أحمد.
وإن كان «التقوى» نواة التربية الأسرية، فإن «العاطفة» تجلب هي الأخرى السعادة والطمأنينة والسكون في الأسرة، فيرفرف عليها علم المحبة، وتغمرها فرحة غامرة بترابط عاطفي بين الآباء والأبناء يضمن نجاح صحبتهم ومحبتهم ومكاشفتهم، الأمر الذي سيكون له المردود الإيجابي على صقل الشخصيات، وصلاح الأبناء وهدايتهم، فليست الأمور منصبة على إنجاب الأبناء، بقدر ما تركز على دغدغة المشاعر بحب أصيل وعاطفة جياشة تساعد على سهولة إصلاح الأمور وقيام أسرة صالحة وناجحة.
أنت من تملك فقط صلاح الأبناء «بعد توفيق الله تعالى» بأسلوبك ورقي تعاملك مع الأبناء، وليكن الرسول صلى الله عليه وسلم أسوتنا في ذلك، ولا تنس أن تدعو لهم بالخير والهداية.