قبل أن يحط الطائر الذي حمل حسين النجاتي إلى بيروت على مدرج مطارها تناثرت التصريحات والبيانات المنتقدة لحكومة البحرين، والتي وصفتها بما شاء كاتبوها التعبير عنه وعن مواقفهم منها، حتى بدا الأمر وكأنه فرصة يستغلونها كي يخرجوا ما في داخلهم من غل وحقد على البحرين، التي لم تفعل سوى أنها قالت بطريقة عملية إنها دولة مؤسسات وقانون، وإن القانون يطبق على جميع المواطنين وجميع المقيمين وكل من يحط رحاله في هذه الأرض للعيش وكسب الرزق أو للسياحة، فليس في دولة القانون إلا تطبيق القانون كي تسير الأمور بالطريقة الصحيحة التي لا تظلم فيها الدولة ولا يظلم فيها الأفراد.لم يبقَ أحد ممن لم يرضه تطبيق القانون على من يعتقد أنه ينبغي أن يكون فوقه إلا وانتقد خطوة الحكومة بإبعاد النجاتي عن البلاد، أما الأجهزة الإعلامية في الدول «الراعية للحراك الثوري» فكانت تنتظر مثل هذه الفرصة لتعمل بالشكل الذي يريحها و«يقند راسها»، حيث انطلقت بكل طاقتها للإساءة إلى البحرين ونعتها بأبشع النعوت والصفات وعملت على تأليب العالم عليها، حتى لم يبقَ أحد من الذين يتخذون من البحرين موقفاً سالباً إلا وقال ما شاء أن يقوله عنها من كلام يحاول من خلاله استعادة توازنه، ذلك أن خطوة حاسمة كهذه لم تكن متوقعة في ظل قراءتهم غير الصحيحة لواقع البحرين وتطورات الأحداث فيها. في هذا السياق جاء تصريح المقرر الخاص للحريات الدينية التابع للمفوضية السامية لحقوق الإنسان هاينر بيليفيلدت الذي اعتمد على ما وصله من معلومات من طرف واحد، فقال ضمن ما قال إنه «يجب على البحرين وقف الاضطهاد ضد الشيعة وإعادة النجاتي» وحث الحكومة على «وقف مضايقة واضطهاد الزعيم الديني الأكثر بروزاً في المجتمع البحريني الشيعي المسلم والذي -وبحسب ما ورد- أُجبر على مغادرة بلاده بعد تهديدات من ضباط أمن الدولة لإلقاء القبض عليه وعلى ابنه»!نظرة سريعة إلى مفردات التصريح تؤكد أن المقرر الخاص اعتمد اعتماداً كلياً على السمع وما وصله من معلومات من طرف واحد فقط، وإلا كان قد تأنى في وصف النجاتي بأنه الزعيم الديني الأكثر بروزا في المجتمع البحرين، وتأنى في وصف مجتمع البحرين بأنه مجتمع شيعي مسلم، وتأنى في اتهام البحرين بأنها تمارس الاضطهاد ضد الشيعة.ما لم ينتبه إليه المقرر الخاص للحريات الدينية هو أن البحرين مثلها مثل أي دولة في العالم تمارس حقها في العمل على استتباب الأمن في مجتمعها، وأنها لم «تقرر» إبعاد النجاتي من البلاد إلا بعد أن لم تجد غير هذا القرار مناسباً لمثل هذه الحالة.ليس صحيحاً ما أعربه بيليفيلدت للحكومة عن مخاوفه من أن هذا العمل «عمل من أعمال التمييز بدوافع دينية وفرض قيود غير مبررة على حقوق الإنسان الأساسية للنجاتي، بما في ذلك حقه في ممارسة واعتناق معتقداته الدينية سلمياً» مبرراً تخوفه من أن يصل الأمر إلى «التمييز ضد الطائفة الشيعية المسلمة بأكملها في البلاد بسبب معتقداتها الدينية».الخبير الدولي اعتبر ما حدث انتهاكاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية وأنه تمييز على أساس الدين أو المعتقد، ما يثير سؤالاً مهماً هو هل صحيح أن حكومة البحرين تستهدف الشيعة؟ وإذا كان هذا صحيحاً؛ فلماذا؟ أما الجواب عن السؤال الأول فهو بالنفي، فحكومة البحرين لا تستهدف الشيعة، أما السؤال الثاني فلا قيمة له طالما أن الإجابة بالنفي. وكما إنه من حق كل فرد في العالم أن يفسر خطوة الحكومة في إبعاد النجاتي بالشكل الذي يريحه، كذلك فإن من حق حكومة البحرين أن تسد كل باب يأتيها منه الريح.. شيعياً كان أم سنياً.