الحق يقال بأن هناك مجموعة من النواب يحاولون أن يكونوا قريبين من المواطن، يتحدثون بهمومه، ويعبرون عن تضايقهم واستيائهم من تعطل مقترحات يقدمونها بخصوص تحسين الوضع المعيشي، هؤلاء النواب موجودون ولو كانوا معدودين على الأصابع، وهذا مؤشر جيد، فإذا خليت خربت.بالتالي حينما تحصل قضية تتعلق بحقوق أصيلة لمجلس النواب الذي يضم عناصر وصلت بفضل أصوات الناخبين، فإننا بالضرورة سنقف مع البرلمان الذي يفترض ألا تنتقص من صلاحياته والذي يفترض أن يمنح كامل الدعم والقوة ليعمل بطريقة صحيحة وأن يصحح مسار عمله في السابق.على سبيل المثال قضية رفع سعر الديزل، إذ ليس من المعقول ولا المقبول أن يتخذ قرار مثل هذا بمعزل عن مجلس النواب، وحتى غيره من القرارات، وهنا لابد من النواب أن يرفضوا وأن يستاؤوا إذ سكوتهم عن ذلك مرة ومرتين وثلاث يدفعنا للجزم بأنه لا داعي أصلاً لوجود مجلس نواب يتم تمرير قرارات مهمة وحساسة دون أن يقام له وزن.هنا تقع اللائمة ليست على الدولة في مقام أول بل على النواب أنفسهم، فالأولى ستعمل بما يسهل عملية تنفيذ مشاريعها، وإن رأت في السلطة التشريعية تقاعساً أو هدوءاً أو ضعفاً فما الذي يمنع من الاستفادة من ذلك؟!وعليه نقول بأن النواب لا يجب أن يتخلوا عن أي حق من حقوقهم كسلطة تشريعية معنية بتشريع القوانين ومناقشتها مع الدولة وحتى رفضها، من حقوقهم أن يساءلوا ويراقبوا ويحاسبوا وحتى يطرحوا الثقة، والأخيرة نقطة خلاف كبيرة يعززها ما حصل بشأن تقارير الرقابة المالية ومسؤولية الإحالة للنيابة أو المحاسبة وحجب الثقة، إذ لا يمكن القبول بأن يتخلى المجلس عن دوره في هذا الجانب وأن يكون صاحب الكلمة الأقوى والأهم في الموضوع.الاستياء الذي حصل بشأن موضوع الديزل، وإن كان البعض زعل لأنه كان آخر من يعلم، هو استياء مطلوب، فلا يمكن اليوم القبول بتمرير أمور دون أخذ رأي ممثلي الشعب، أقلها هناك نواب يثبتون عبر تحركاتهم بأنهم مازالوا في صف المواطنين ويبنون مواقفهم بناء على ما يريده الناس ويطالبون به، في مقابل نواب بعضهم لا يبدأ يومه إلا بـ»التقهوي» في مكتب هذا الوزير أو ذاك، بالتالي لكم أن تحكموا في صف من يكون؟! مسكين المواطن لا يملك مكتباً ومجلساً جميلاً، ولا قهوة «فاخرة» ليقدمها لبعض نواب المكاتب.من مساوئ المناصب التي تأتي معها المزايا والبرستيج أنها تجعل الجالس على الكرسي ينسى السبب الرئيس وراء وجوده في هذا الموقع، وبالنسبة للنواب فإن بعضهم ينسى الناس لأربعة أعوام ثم يأتي لـ«يتسول» أصواتهم في الفترة الانتخابية، وهذا لن نسميه خطأ، بل هو «عيب» و«عيب كبير».البعض يقبل بوجوده في المنصب ويتمتع بالمزايا ولا يهم إن تم القفز على صلاحياته أو تحجيمها أو تعطيلها، المهم لديه أن وضعه «ماشي»، وهذه كارثة بحد ذاتها يدفع ضريبتها المواطن.حتى تصلحوا الوزارات، وحتى يتصلح تعامل قطاعات الدولة مع مجلس النواب لابد وأن يكون للمجلس النيابي كلمة قوية، ومواقف أقوى مع كل جهة لا تقيم له اعتباراً أخذاً بتصرفاتها معه. مثال، ما حصل من إعلان تطبيق قرار رفع الدعم لا يفترض أن يمر الموضوع دون محاسبة المسؤول المعني المختص بالموضوع، لأن تمريره بهذه الطريقة فيه إهانة للمجلس ومن خلفه الناس الذين صوتوا ليصل النواب إلى هذه المواقع.قد يستاء كثير من الناس مما نقوله هنا باعتبار أننا ندافع عن حقوق النواب في عملهم التشريعي والرقابي، وباعتبار أن التجربة النيابية طوال هذه السنوات لم تحظَ برضا المواطنين، لكن الواقع يفرض علينا –وعلى الناس أن ندرك ذلك- يفرض علينا أن نحث النواب لعدم «التجرد» من كل صلاحياتهم بمحض إرادتهم والرضا بوضعهم الحالي، علينا أن نضغط عليهم ليدركوا أن قبول بعضهم بأن يكون كما «الأطرش في الزفة» مسألة لا تنسحب عليه وحده بل في الأساس على من صوت له وأوصله للمجلس.لا يجوز يا جماعة أن يرفع بعضكم يديه إلى الأعلى وكأنه في حالة استسلام ليأتي أي مسؤول سواء وزيراً كان أو وكيلاً أو غيرهم ليمرر ما يمرر وكأن «الممارسة التشريعية» في هذا البلد «وكالة من غير بواب».اتجاه معاكس:باعتبار أن الدولة تقول بأن المواطن هو أساس كل عمليات التطوير والتنمية، نقول لأي وزير أو مسؤول يريد أن يطبق مشروعاً أو يفعل استراتيجية معينة، رجاء ضع المواطن قبل المشروع. قم بعملية تقييم لما سيحصل عليه المواطن وما سيتضرر منه، فإن كان الضرر أكبر من الاستفادة فلماذا يتم المضي بمشروع يزيد إحباط الناس إحباطاً؟!لو كان المواطن هو مؤشر القياس في كل مشروع، لما كان لدينا اليوم عجز إكتواري، ولا «فضائح» في تقارير الرقابة المالية، ولما أصبح المواطن البحريني ديدنه «التحلطم» والاستياء. فكروا فيها قليلاً، وتظل الشجاعة في الاعتراف بالخطأ لا المكابرة فيه.