كان عمري ست سنوات عندما اندلعت الثورة وكنت طالبة بالصف الأول، حينما جرى إتاحة عرض معظم ممتلكات الإمبراطور الراحل رضا بهلوي وأتباعه لكي يراها العامة.ومن المؤكد أن تلك الأحداث يرجع تاريخها إلى 35 سنة مضت، فيما ظهرت الروح الثورية التي تجلت بشكل كبير في الترف الذي كان بارزاً للغاية بما يثير التساؤلات لمؤيدي النظام الجديد. كانت البساطة هي الأمر المفضل للجميع في البلاد لكي يقتدوا بها. وجعل مؤسس الثورة آية الله الخميني من نفسه مثالاً يحتذى، وانتقل إلى شمال طهران في مدينة صغيرة جميلة تسمى جماران، واستقر في منزل مؤجر مملوك لإمام جماراني، خطيب صلاة الجمعة بالمنطقة.وكان وجود السيارات الفارهة والملابس الثمينة وتصرفات الأرستقراطيين، مثل وجود خادمة أو مدبرة للمنزل، من الأمور المرفوضة التي أدانها المجتمع. وعلاوة على ذلك، ثار العمال والموظفون ضد رؤسائهم السابقين الذين جاؤوا معهم من القرى الصغيرة والمدن واستحوذوا على ممتلكات وثروات الشعب باسم الثورة. وكانت الممتلكات التي صودرت تباع بأسعار رخيصة أو تمنح من دون مقابل للثوريين، ومن ثم أصبح هناك جيل جديد خلال هذه السنوات الـ35 من الشخصيات التي تمتلك الأموال وكذلك أعوانهم الذين صاروا يشكلون جيلاً جديداً من الأثرياء بإيران.وفي الوقت الحالي، من الصعب أن تجد أسرة في إيران يمكنها أن تعول أفرادها بسهولة. وتشتتت الطبقة المتوسطة وانقسم المجتمع إلى أغنياء وفقراء. وصارت أسطورة ترف وثراء الإمبراطور وأقاربه جزءاً من التاريخ في الوقت الحالي. ويعيش الآن الأثرياء الجدد -الذين منحتهم الثورة وعلاقاتهم مع الشخصيات البارزة في الحكومة فرصة حصرية- في منازل أفضل وأعظم مما كان يمتلكه الإمبراطور الراحل.وأدت العقوبات المفروضة -التي تتسبب الآن في كثير من الأضرار لاقتصاد إيران بسبب برنامج إيران النووي- إلى فرض ضغوط على المواطنين الإيرانيين العاديين الذين لم يستطيعوا التنقيب عن الذهب بسبب تلك العقوبات.وفي الوقت الراهن، يتخيل العالم إيران على أنها دولة مفلسة بها شعب يعاني فقراً مدقعاً. وفي الواقع، لا يشعر جميع أفراد الشعب بهذه المعاناة، ففي الحقيقة أن الأشخاص الذين يتقلدون مناصب في النظام لم يعانوا أي شيء على الإطلاق. ووفقاً للبيانات الرسمية، تعتلي إيران قائمة أكثر الدول التي تشتري سيارات فارهة، ولاسيما سيارات «بورشه» في منطقة الشرق الأوسط ككل.وفي ضوء الانخفاض الكبير لقيمة العملة المحلية (الريال) أمام الدولار الأمريكي، يتعين على الشخص -لكي يستطيع سداد قيمة سيارات من هذا القبيل- أن يدفع ثمناً أغلى ثلاثة أضعاف من السعر الفعلي لتلك السيارات. ويكون سعر هذه السيارات باهظاً للغاية بسبب الرسوم الجمركية التي تصل تقريباً إلى نصف سعر السيارة، فضلاً عن أسعار صرف الدولار الأمريكي أمام العملة المحلية.ومن الأمثلة التي يمكن أن نسوقها في هذا الصدد مسألة غموض ثروة رجل الأعمال الثري باباك زنجاني. وفي نفس السياق، جاء أحد الفتيان من مدينة صغيرة -حيث كان يبيع جلود الحيوانات لكسب قوت يومه (وفقاً لمقابلته مع إحدى الصحف المحلية في إيران)- إلى طهران لإكمال خدمته العسكرية وجرى تعيينه سائقاً لرئيس مجلس إدارة البنك المركزي بإيران. وفي غضون سنوات قليلة، صار هذا السائق -الذي لم يتلق تعليماً وليست لديه خلفية بشأن العمل- واحداً من أغنى الرجال في إيران بفضل المزايا التي حصل عليها واتصالاته بالشخصيات المؤثرة بالبلاد، أما الآن فقد زج به في السجن إثر إدانته بتهم الفساد والتهرب الضريبي. ألقي القبض على زنجاني لأن الحكومة تغيرت وربما لأن مؤيديه لم يعودوا موجودين في السلطة. ولكن على وجه العموم، هناك كثير من الشخصيات من أمثال زنجاني، الذين يمتلكون سيارات فارهة من ماركات «بورشه» أو «مازيراتي» أو «رولز رويس» في طهران والمدن الكبرى الأخرى، في حين لم يهتم أحد بمساءلتهم أو يكترث بشأن الأشخاص الذين لا يتسنى لهم شراء الأدوية التي يحتاجونها أو الحصول على القوت اليومي.وفي الذكرى الخامسة والثلاثين للثورة، نجد أن قيم ومثل الثورة ضاعت. وصارت إيران الآن دولة متعثرة تعاني معدلات عالية من البطالة، فضلاً عن الأجيال الصاعدة التي نشأت في ضوء الكثير من التعقيدات بسبب هذا الإجحاف والظلم.قال آية الله الخميني إن الغرب كان سيئاً، ولكن ليس بالنسبة لأحفاده وأطفال رجال الدين الآخرين الذين يتمتعون بالترف والرفاهية للسفر إلى الخارج. لست متأكدة ما إذا كان أي من هذه الأماكن متبقياً الآن في طهران لإظهارها أمام أطفال المدارس كمصدر من مصادر فساد الإمبراطور وإخبارهم أن «الإمبراطور وعائلته سرقوا أموال الدولة ليعيشوا هنا ويحيوا حياة هانئة». لا يمكن عقد مقارنة بين ممتلكات الإمبراطور وما تمتلكه الآن بعض الشخصيات التابعة للنظام في إيران. وفـــي الوقــت الراهــن، يمــر الشعـــب علــى الإمبراطوريـــات التــــي صنعهـــا الثوريــــون المشهورون والتابعون لهم ليشيروا إلى تلك الإمبراطوريات قائلين «هذا هو السبب الحقيقي للثورات، وكان ذلك سيئاً بالنسبة للشاه، بيد أنه أمر جيد فقط لمن استفادوا من الثورة!».