هذه حقيقة تقال بخصوص كثير من الوزراء والمسؤولين، إنجازاتهم فقط على الورق، وفقط في البيانات الصحافية التي ترسلها إدارات العلاقات العامة لتنشر في الجرائد ووسائل الإعلام، والكثير من هذه التصريحات بالأخص التصريحات الأولية التي تشير لوجود مشاريع ستطبق وستنفذ كلها لو تمت مقارنتها على أرض الواقع سنضع يدنا على رأسنا من الهول.وعلى حد توصيف أخينا العزيز الإعلامي القدير الأستاذ سعيد الحمد نقول: بسنا من تصريحات «العبو والربو» التي لا مكان لها إلا على صفحات الجرائد وباتت الناس تتندر بها.كثيرة هي الأمثلة ولو سردناها لما كفت المساحة لكن لنضرب أمثلة بسيطة وسريعة هنا، وأمثلة حديثة «فرش» قرأتموها في صحافة الأمس.أول الأمثلة ما نشر على لسان وزارة الأشغال بخصوص الجسر العلوي التابع للقاعدة الأمريكية والذي أنشئ في خلال ساعات (7 ساعات تقريباً).الخبر يقول بأن وزارة الأشغال أنجزت (أكرر أنجزت) هذا المشروع في أقل من 24 ساعة، وحددت الوقت بأنه كان من الساعة 11 مساء الخميس حتى السادسة من صباح أمس الأول الجمعة.أولاً، بحسب ما نعرفه من مصادرنا أن طلب إنشاء الجسر كان من قبل الشركة المعنية بالأسطول الأمريكي، وأنهم من «ركضوا» على مسألة الحصول على الموافقات (أكرر الموافقات) من قبل الجهات المعنية حتى وزارة الداخلية.ثانياً، الوقت المحدد كان مبيناً في الطلب المرسل لهذه الجهات، أي السبع ساعات.ثالثاً، وهنا بيت القصيد، إن كانت وزارة الأشغال من الجهات التي تم التنسيق معها، وهي مسألة ضرورية ولازمة أصلاً، فلا يجوز القول بأن الوزارة «أنجزت»، بل كان يجب القول بأن الوزارة «نسقت، تعاونت، أشرفت، رخصت ... إلخ» من هذه التوصيفات، إلا إن كانت المسألة كلها تمت من قبل الوزارة، وهنا يعني أن الشركة التي نفذت المسألة لا علاقة لها البتة.لسنــــــا متحامليـــن علـــى الـــوزارة ولا نستهدفها، فمما نراه يتضح جيداً بأن وزير الوزارة من المسؤولين النشيطين في المملكة والجادين في عملهم، وما قد يجحف حق الوزارة هو حجم المهمات والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، لكن مثل صيغة الخبر المنشور «استفز» كثيراً من الناس ولهم الحق.أقول ذلك لأنه في الوقت الذي تقول فيه الوزارة أنها أنجزت جسراً معلقاً في سبع ساعات، يكلمني أهالي منطقة البحير ممتعضين ومستائين من «بطء» عملية تطوير شارع البحير والتي هي مستمرة لشهور طويلة، ومعبرين عن غضبهم من تكدس السيارات والزحمة التي تحصل عند الإشارات بجانب مجمع عبدالله التجاري. هذا مثال، وهناك أمثلة أكثر، بالتالي من حق الناس أن تستاء وأن يضايقها الخبر حتى، إذ لأجل عيون الأسطول الأمريكي «تنجز» الوزارة (حسب قولها) جسراً معلقاً في ساعات، بينما شوارع البلد تظل بالشهور يعمل فيها وتتعطل حياة الناس!مثال آخر وفي نفس صحافة الأمس، حينما يقول وزير البلديات في رده على سؤال برلمان وضمن سياق خبر عنوانه التالي نصاً «43 ساحلاً بالبحرين وأقل من مليوني دينار لتطويرها»، بالضرورة يتساءل الناس «أين هذه السواحل، وأين موقعها؟!». بدورنا سنسأل هنا، أهذه السواحل مفتوحة متاحة للناس، أي هل هي سواحل ذات رمال ناعمة تطل على الشاطئ فيها يمكن للناس أن تسبح وتمارس كل الفعاليات البحرية، أم أنها سواحل مغلقة خاصة، أم أنها مجرد سواحل «على الورق»؟!التصريحات الإعلامية يجب أن تكون واقعية، وحتى بياناتها يجب أن تصاغ بواقعية وبعيداً عن الصياغة «الفنتازية» التي ما عادت تنطلي على الناس، لأن الناس هم من يعيشون على أرض الواقع ويرون ويتابعون بعيونهم ويتفاعلون يومياً مع ما يحصل، بالتالي حينما يقال لهم بأن في بلادكم كذا وكذا وأصلاً ما يقال غير حقيقي فطبيعي جداً أن ينتفض الناس غضباً باعتبار أن هناك من يحاول «استغفالهم»، أو بالتعبير البحريني «يأخذهم على قدر عقولهم»، وفي التوصيف الأخير إساءة بالغة للناس، فالمواطن البحريني ليس ساذجاً وليس «قدر عقله» أن يخدر أو يضحك عليه ببيانات تكتب في المكاتب ويمكن بحروف بليغة تصاغ منها أن ترسم واقعاً وردياً جميلاً لا أساس له ولا وجود.هذان مثالان قريبان فقط للتنويه، مع العلم بأنه لو عدنا فقط لصحافة عام واحد وحصرنا تصريحات كثير من المسؤولين، بالتحديد التصريحات الرنانة والتي تتحدث عن إنجازات خدمية وغيرها، فسنجد بأن أكثر من 80% مما نشر «دون مبالغة» مجرد كلام وحبر على ورق.نريد أفعالاً أكثر وكلاماً أقل، والكلام الذي يصدر يجب أن يكون بعد الإنجاز لا قبله، ما لكم تعملون بأسلوب «تجهيز الدوا قبل الفلعة»؟!أخيراً، نقول مثلما يقول سعيد الحمد: «بسكم من العبو والربو»!