أوردت مجلـــــة «ديرشبيجـــــل» الألمانيـــة الأسبوعية مؤخراً موضوع تفاقم فضيحة تجسس وكالة الأمن القومي الأمريكية «NSA» ومقر الاتصالات العامة في بريطانيا «GCHQ» ليطـــال الاتصـــالات الهاتفيــــة الرسميـــة والشخصيــة لزعمــاء 122 دولــة في العالم، من أصل زعماء 195 دولة و60 منطقــة مستقلة و5 مناطق متنازع عليهــا، بمعنى أنه لم ينجُ من التجســس ســـوى 73 زعيماً ربما لا تحوي دولهم مصالح للدولتين في الوقت الحالي على الأقل!وبحسب المجلة الإخبارية، قامت وكالة الأمن القومي باستخدام نظام متطور للمراقبة اسمه «نمرود Nymrod»، يقـــوم تلقائياً بتتبع الاتصالات الهاتفية والرسائل النصية القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني، ويسجلها ويقيد بياناتها الحيوية مثل مواقــع المتصل والمتصل به، والجمـــل الحيوية المقتبسة التي تشكل مفرداتها أهمية للمصالح السياسية العليا للتحالف «الآنجلوسكسونـي» المتطفل. ومن أهــداف «النمرود» رئيسة وزراء أوكرانيا السابقة يوليا تيموتشينكو، والمستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، وطاغية الشام بشار الأسد.بدورها تورطت بريطانيا من خلال مقر اتصالاتها العامة بمحاولة اختراق الأسرار التجارية والفنية لشركات الاتصالات الألمانية IABG وCetel وStellar، ويطرح كــل ذلــك الجهــد الكبير للتنصت على تواصل غالبيـــة زعماء العالم تساؤلات من قبيل إن كانوا هم مخترقون على ما هم عليه من حماية، فما بال الأشخاص العاديين أمثالنا؟! هنا نتساءل ما هو الدافع وراء هذا التجسس المحموم؟! وهل له علاقة بالتوجس من حلفاء الأمس القريب، والشركاء التجاريين، و«الأصدقاء»؟! نعتقد شخصياً بأن التنصت على الزعماء الغربيين ـ خاصة من كانت دولهم في وضع اقتصادي أفضل من أمريكا وبريطانيا، كألمانيا مثلاً ـ ينبع من خوف الدولتين من سنة الاستبدال التي دأب التاريخ على ممارستها. فعندما ركزت ألمانيا الغربية سابقاً ـ الاتحادية حالياً ـ على المناعة الاقتصادية والازدهار الصناعي والمثل الرائعة للإنتاجية، ركزت بريطانيا على اللعب على وتر الأسياد القدامى مع المستعمرات السابقة إلى أن باعت صناعاتها بالكامل على مستثمرين أجانب صارت بعدها تحت سطوتهم. كما انحازت أمريكا باقتصادها الأكبر إلى المعاملات الاقتصادية المزيّفة كالمشتقات وغيرها نظراً لتراجع إنتاجية قواها العاملة في الجودة والاعتمادية وترحيل شركاتها المحلية الكبرى صناعاتها إلى دول أقل تكلفة، تاركة الفرد الأمريكي ضحية أنظمة تعليمية وتأهيلية ومهنية وصحية واجتماعية فاشلة لم تلتفت إليها الإدارات الرئاسية المتعاقبة بقدر التفاتها إلى تكرار التجربة الاستعمارية البريطانية بمنحى أشد وطأة وأكثر غطرسة!في تلك الأثناء، لابد لأمريكا وبريطانيا من التنصت والتجسس على من قد يكون في طريقـــه إلى أخذ مكانتهما الاقتصاديـــة والدبلوماسية وحتى العسكريةّ «الهند؟! الصين؟! روسيا؟! البرازيل؟!» الذي يبلغ القمة يستميت للمحافظة عليها، ولكن التاريخ علمنا أن تجاهل علاج الأسباب الحقيقية للمشكلات الداخلية التي تهلك الدول والأمم لا ينفع معه تصدير الهموم والمشكلات والتدخل في الشؤون الداخلية، كما أن العمل على مبدأ التعايش المشترك والمصلحة الثنائية بين الدولتين المذكورتين وأية دولة صغرت أم كبرت يعني تطوراً كبيراً في التبرؤ من النزعة الاستغلالية الاستعلائية في البشر. شعبــا أمريكا وبريطانيا من أروع الشعوب بلا شك، ومن أكثر الأعراق التي قدمت للبشرية اختراعات وإنجازات علمية وتقنية وحضارية وأدبية وثقافية بارزة جداً، وتدون بماء الذهب، هو العرق «الانجلوسكسوني»، إلا أن استمرار عمل الإدارات المتعاقبة على قيادة مصير هذين الشعبين نحو المقامرة بالتنمية البنّاءة نظير مكاسب اقتصادية وسياسية قد تثور عكسياً في وجوههم بسبب آثارها السلبية على الضحايا من سائر الأمم.لـــم يحل احتلال العراق مشكلات الشعبيــن الأمريكي والبريطاني الاقتصادية والخدمية، وإنما صبت عوائده الظالمة في جيوب النخب الفاســدة. ولفسادهم، جلبوا نخباً فاســدة كانت في يوم ما أذيالاً، فقط من أجل تدفق خيرات البلد المغدور إلى النخب الفاسدة الكبرى هناك، عبر وكلائها المحليين الذين يقتسمون بدورهم غنائم أصغر بكثير.هذا ما كان يراد للخليج عبر البحرين، وهذا ما يـــراد لوكيل «الولي الفقيه» لدينــا أن يقوم به، وهذا ما يقع عاتقه على سعادة السفيــــر تومـاس كراجيسكــي أن يرتبــــه، وبصورة فاسدة، ترك من أجلها مصالح السفارة والمصالح الحقيقية لبلده وشعبه، وأهمل موظفي السفارة مثلما أهملت إدارته الرئاسية الشعب الذي تدير مصالحه ومنفعته في صيغة الحكم، وذهب يحاول أن يعيد تجربة العراق في الدراز والبلاد القديم!أمام ما يحدث، نقول بأن الخير المشترك بين الدول والشعوب هو الطريق لاستمرارية الازدهار والتعافي من النكبات التنموية، وهي التي تسيّر ركب الحضارة، أما ما يبدر مــن إدارتي البلدين «الصديقين»، فإننـــا ندعو الله سبحانه وتعالى أن يفشله، وأن يجعل البحرين التي يستصغرون حجمها ويستسهلون التغلب عليها للولوج إلى العمق الخليجي، أن يجعلها سبحانه كما البعوضة في أنـــف «النمرود» الانجلوسكسوني الــذي ظلم شعبه قبل «أصدقائه».