يقول الباحث كينيث إم .بولاك في دراسته بعنوان «الطريقة المألوفة لفهم إيران» في كتاب «هلال الأزمات.. الاستراتيجية الأمريكية الأوروبية» حيال الشرق الأوسط: «إن التهديد المباشر من تطوير إيران الأسلحة النووية، ليس قيام طهران باستخدام السلاح بشكل مفاجئ ضد المملكة العربية السعودية أو إسرائيل أو بعض الدول الأخرى، بل ببساطة ضمان عدم خوف القادة الإيرانيين الأكثر عدائية من انتقام عسكري رداً على أعمال إرهابية وتهديمية وأشكال أخرى من الأعمال الحربية السرية، ويمكن تقديم حجة قوية مفادها أن هذه الاستراتيجية هي أكثر تناغماً مع ميراث الخميني وأكثر ملائمة لورثته المتشددين الذين يتحكمون بطهران بشكل كامل، وقد لا يكون من المؤكد عودة إيران إلى سياستها الخارجية العدائية السابقة».إلى ذلك يبدو ما طرحه الباحث ليس بجديد على دبلوماسيات الشرق الأوسط، فجميع دول مجلس التعاون الخليجي يدرك أن امتلاك إيران للنووي هو مجرد سلاح دفاع، أو بمفهوم عسكري، سلاح ردع لأي خطر قادم، حيث أن الساحة السياسية في الفترة الحالية بالمنطقة تستدعي منا أن نفهم الطريقة المثلى لدحض كل ما تخطط له هذه الدولة من سياسات في تصدير الثورات وصولاً للهيمنة على المنطقة.في واقع الأمر أن المواطن لا يهتم ما يدور بالساحة بقدر ما سينعكس عليه في الحياة العامة، فقد بات من الواضح أن الدول الخليجية فهمت وأدركت أن الأسلوب العدائي مع إيران سيولد المزيد من الاضطرابات بالمنطقة ويسهم بشكل واضح وصريح في إشعال حرب العلنية أو الباردة مع احتمالية طفيفة، وقد تكون معدومة بقيام بضربات عسكرية.إن ما يدور في الساحة هو أن إيران تبحث بالفترة الحالية اعترافاً دولياً ببرنامجها السلمي بحسب تعبيرهم، ولكن في واقع الأمر ووفق التقارير الأجنبية التي تؤكد أن هذه المعامل النووية لا تبحث عن استخدام النووي للأغراض السلمية بل أكبر هو تملك السلاح النووي.وبالتالي فإن دول مجلس التعاون بدول الخليج العربي لا تبحث بالفترة الحالية عن مزيد من الحروب الكلامية والإعلامية، والتي قد تهدد الاستثمارات بالمنطقة مما يؤثر على النمو والذي بدوره سيؤثر على مجالات التنمية المختلفة، لذلك وفي ظل تلك التحولات وجد المواطن الخليجي مبهوراً من تصريحات بعض المسؤولين الخليجين سواء على مستوى الحكومات أو الدول في تخفيف العقوبات المفروضة على إيران وتعزيز التعاون المشترك، وذلك بهدف واضح وصريح هو التعاون مقابل التنمية.يبدو أن من ينظر إلى إيران ككيان يرى أن هناك بعض المتغيرات أو بمعنى أصح بعض الملاطفات السياسية «التغليف السياسي المبطن» التي يجب أن نتوقف عليه، كتعيين متحدثة لوزارة خارجية من الجنس الناعم، وبعض التصاريح الصادرة من الرئاسة بإيران بشأن التعاون مع دول الخليج العربي بعد الانتخابات، وكأنما هناك رسالة تبعثها إيران مفادها أن تعاونكم معانا هو ضمان لكم في تحقيق السلم لدى شعوب المنطقة، ونحن نحترم حقوق المرأة كرسالة إعلامية بأن إيران تؤمن بوجود المرأة في المعترك الدبلوماسي وعلى مستوى السياسة الخارجية، وأن ما يثار بالإعلام الغربي والعربي عن جرائم النظام ضد المرأة وحقوق الإنسان غير صحيحة!!.إلا أن هذا الأمر وفي ظل تلك المصالح الأمريكية الإسرائيلية تجد أن استقرار المنطقة قد يؤدي إلى خسائر فادحة على المستوى السيطرة على الأراضي الفلسطينية، والتي باتت قضية منسية مقابل الحروب الدامية في سوريا، حيث إن كل يوم يتم تركيز الأمة العربية على القضية السورية وانشغال العرب بقضاياهم المحلية «الثورات» قد يبعد الحلم العربي بأميال وقرون في حل الصراع العربي الإسرائيلي.في المقابل، تجد بعض الدول متمسكة وبشدة بمواقفها ضد التحركات التي تقوم بها طهران، إذ تعلم أن هذه التحركات هدفها هو زيادة النفوذ بالمنطقة، وجعلها تحت سيطرتها، وأن أي تعاون وتنسيق مع إيران يعتبر رضوخاً واضحاً وصريحاً للرغبات الغربية مما يسهل عملية التفاوض وكسب الثروات المكنونة بالدول النفطية.كما ترى الدول المعارضة لذلك التعاون أن إصرارها على موقفها هو إيمانها الراسخ بأن إيران نواياها في التعاون ليست سلمية، بل هو تمهيد لتغلغل في سيادة الدول من خلال وضع أجندتها في خضم أي اتفاقية أو مذكرة تفاهم.وعليه، الدول الخليجية المعارضة والمؤيدة للتعاون مع إيران يجب أن يتفهموا أو بمعنى واضح وصريح، هو أن إيران موعودة وبشكل صريح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بأن يكون لها نصيب وافر من النفوذ بالمنطقة وخاصة بعد العراق وسوريا وبعض الدول الأخرى، وبالتالي لا يجب الوقوف ضد التعاون معاها أو العكس، يجب أن نفصل بين حماية الأمن القومي لأي دولة خليجية أو تعاون اقتصادي هدفه الاستقرار والنمو، لذلك النظر إلى إيران يجب أن يكون ذا أبعاد متعددة دون تعصب، ولكن بحكمة شديدة، وبتأني حتى لا نقع بالفخ الأمريكي ولا نلتهم الطعم الإيراني.