«ضرورة استمرار العمل على التخفيف من الأعباء التي يواجهها المقاولون وصغار التجار وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتيسير عليهم في ما يتعلق بمعالجة تراكم رسوم سوق العمل عليهم حتى لا تتعثر أنشطتهم». هذه هو فحوى القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء في اجتماعه بداية الأسبوع الماضي، واستكمله بالطلب من وزير العمل رئيس مجلس إدارة هيئة سوق العمل «دراسة سبل تيسير الإجراءات ودعم قطاع التجار في هذا المجال، ورفع تقرير إلى المجلس بشأن ذلك في وقت لاحق». والواقع أنه ليست هي المرة الأولى التي يتوقف فيها مجلس الوزراء عند هذا الموضوع، ولا هي المرة الأولى التي يأمر فيها بتخفيف الأعباء على التجار والمقاولين الصغار، فقد سبق له أن خفف هذه الأعباء بتخفيض رسوم سوق العمل من 10 دنانير للعامل الأجنبي إلى 5 دنانير بالنسبة للعمال الخمسة الأوائل، و10 دنانير بالنسبة للعامل السادس فما فوق. لكن المشكلة لم تنتهِ هنا، وإنما أدى قرار مجلس الوزراء، إلى التقليل من حدتها فقط وإلى فترة معينة، بعدها عاودت الرسوم بالتراكم من جديد، ومعها الأعباء الناجمة عن هذا التراكم، والسبب في ذلك أن تراكم رسوم سوق العمل هو جزء من تراكم الديون على المقاولين والتجار الصغار نتيجة للأزمة المالية والاقتصادية والتجارية التي أصابت سوق البحرين نظراً لتوقف أو تعثر الأعمال في عام 2011 والعامين التاليين على الأقل. ووقتها أي نهاية عام 2011 عولج هذا الوضع من خلال تجميد ثم تخفيض رسوم سوق العمل الذي أشرنا إليه، ومشروع دعم المؤسسات والشركات المتعثرة الذي تقدمت به تمكين وحاولت من خلاله المساهمة في تخفيف الأعباء المتراكمة على تلك المؤسسات والشركات بتسديد جزء من الديون المستحقة عليها، ومساعدتها على الوقوف على قدميها من جديد، والتخفيف الثالث جاء من بنك التنمية الذي اكتفى بإعادة جدولة قروض المؤسسات المتعثرة. لكن هذه العلاجات الـ3 على أهميتها غطت بعضاً من تراكم الديون الناجمة عن رسوم سوق العمل والمصروفات المستحقة الأخرى والمستمرة على الرغم من توقف الدخل أو انكماشه بنسبة كبيرة في عام 2011 أو الجزء الأكبر منه، لكن الأزمة التي حدثت في ذلك العام وهزت الوضع التجاري والاقتصادي، استمرت في الأعوام التالية، ومع استمرارها زادت الأعباء والخسائر والديون على الجميع، لكن تأثيرها كان أشد على صغار المقاولين والتجار. ومن جانب آخر، وفي خضم هذه الأزمة اشتكى التجار والمقاولون من مزاحمة العمالة الأجنبية لهم، والعمالة غير النظامية أو السائبة بالتحديد والذين زاد عددهم في تلك الفترة على 50 ألف شخص حسب هيئة سوق العمل، حيث تكتلوا في مجموعات، وانتشروا في الأحياء يقدمون عروضهم لتنفيذ مقاولات بناء وصيانة رخيصة وغير مضمونة أو مأمونة، وقامت تكتلات أخرى بفتح مشاريع تجارية مختلفة مبنية على استئجار سجلات تجارية من البحرينيين بالباطن، أو توقيع (شراكة نائمة) معهم، وعمل هؤلاء وأولئك على منافسة المقاولين والتجار البحرينيين المتعثرين أصلاً، وسحب ما تبقى لهم من أعمال. فإذا اتفقنا على أن هذه هي أبعاد الأزمة التي أدت إلى تعثر التجار والمقاولين الصغار وتراكم الديون عليهم وعجزهم عن دفع مصروفاتهم بما فيها رسوم سوق العمل، إذا اتفقنا على ذلك، فهذا يوصلنا إلى أن تأجيل أو تخفيض رسوم سوق العمل من جديد لن يحل المشكلة، وإنما الحل يكمن في قيام مجلس الوزراء بتكليف جهة مختصة خارج الوزارات المعنية بوضع دراسة عن وضع السوق في الوقت الحاضر تشمل واقع قطاعي التجارة والمقاولات من حيث الركود أو الانتعاش، ومدى تأثرهما بأزمة 2011 أو وما تلاها. كما تشمل هذه الدراسة المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة، من حيث معاناتها وما تبقى منها، وما تحتاجه من متطلبات لنهوضها من جديد، إلى جانب وضع العمالة الأجنبية (والسائبة بشكل خاص) وما تسببه من منافسة غير متكافئة وغير عادلة للمؤسسات الوطنية. فمثل هذه الدراسة مطلوبة اليوم ليس لحل مشكلة رسوم سوق العمل، فهذه الرسوم في ظل وصول أعداد العمالة الأجنبية إلى نصف سكان البحرين، وفشل هيئة سوق العمل من الحد في تزايدها واستقدام المزيد منها، وفي ظل تقلص إيرادات تمكين وعجزها عن تحقيق أهدافها، هذه الرسوم لم تعد لها تلك الفاعلية التي كانت عليها يوم تم فرضها ضمن حزمة إصلاح سوق العمل وهدفت إلى جعل البحريني مفضلاً لدى أصحاب الأعمال.