ليس الأمر وليد اللحظة؛ حتى وإن انكشفت الأمور في 2011 بشكلها الفج المفضوح، إلا أن كل ما حدث ويحدث كان ضمن مشروع مخطط له ومدروس بعناية للسيطرة على مفاصل محددة، على طريقة الثعبان حين يقوم بخنق الفريسة بشكل تدريجي يلتف حولها، حين يحكم عليها الخنق إلى أن يصل للرأس، عندها لن تنفع النجدة.بينما وقفت الدولة وكيانات كبيرة بالمجتمع تشاهد المشهد وكأن الأمر لا يعنيها، حتى وصلنا إلى الطامة الكبرى في 2011، وأدرك من أدرك (وأخشى أن يكون إدراكاً مؤقتاً) أن من سلم المفاتيح وترك المساحات، وسكت عن جملة الاستيلاءات هو الذي كان يجب أن يسدد فاتورة باهظة تماماً لو أن المشروع نجح، حتى مع عدم نجاح المشروع، فإن للجهات الأهلية والنقابية دوراً كبيراً في حفظ الوطن والدفاع عنه.دائماً ما نحاول ونجتهد لأن نذهب إلى الصورة التي خلف الصورة، فإن كانت هناك صورة خلف ما يحدث اليوم من تسييس للعمل النقابي أو للعمل الأهلي والتجاري فإنها صورة قديمة، اشتركت فيها جهتان؛ جهة خططت للاستيلاء على المفاصل، وجهة سلمت الأمر وتركت كل شيء يحدث دون قراءة صحيحة للوضع.نعم نحن جميعاً أبناء وطن واحد، لكن ليس مقبولاً أن يترك العمل النقابي والتجاري إلى من يخطط لضرب الدولة في اللحظة الحاسمة.بحكم القانون المطاطي وبحكم من كان يسيطر على السجل التجاري لسنوات طوال، تم منح السجلات بطرق يعرفها أهل البحرين، بينما تم منعها عن أطراف أخرى بحجة أنهم يعملون في الحكومة أو في السلك العسكري والأمني، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه، والصورة التي ظهرت للجميع في ساعة الانقلاب.الإمساك بوزارتين وترك البقية، وتكديس مواطنين في وزارات بعينها أفرغ القطاع الخاص من حجم كبير من أهل البحرين، وبالتالي تمت السيطرة على النقابات واتحاد العمال الذي سيس العمل النقابي والمهني وكان ذراعاً للجمعية الانقلابية في الداخل والخارج.ذراع الجمعية الانقلابية لم يتوقف عند اتحاد العمال، بل سعى للسيطرة على الغرفة التجارية من الداخل بتخطيط كبير، ذلك أنهم يدركون دور الغرفة في تمثيل القطاع التجاري محلياً وخارجياً، فإذا تمت السيطرة على اتحاد العمل وتمت السيطرة على الغرفة التجارية، فإن الحلقة تكاد تكتمل لتطويق الدولة والمجتمع من خلال هاتين الجهتين.حتى مع ظهور الاتحاد الحر لعمال البحرين، إلا أن هذا الظهور كان متأخراً، بعد أن تم السكوت عن تسييس اتحاد العمال وجعله عصا في الجمعية الانقلابية.تأجلت انتخابات غرفة التجارة وتم تشكيل لجنة للانتخابات، لكن السؤال هنا إلى أين تسير الغرفة؟ما هي فسيفساء لجنة الانتخابات؟هل نسينا سريعاً ما حدث في الغرفة إبان الأحداث من بعد تسييس البعض ومحاولة تسيير الغرفة باتجاه معين؟انتخابات الغرفة ليست انتخابات عادية، ولا ينبغي أن تترك الغرفة لمن يحاول تسييرها باتجاه غير وطني وغير مهني ويخرج عن أهداف الغرفة التجارية والمجتمعية.يتردد أن بعض التجار لا يعنيهم أمر الوطن كثيراً، فهم تجمعهم مصالح مع أطراف أخرى فيضعون أياديهم معهم من أجل المصالح المالية والتجارية، والوطن ليس في حساباتهم، وهذه طامة كبرى.توزيع المناصب في الغرفة كيف يتم؟ توزيع لجان الأعمال كيف تتم؟ من الذي يريد السيطرة على اللجان؟أسئلة كثيرة تشغل المواطن من بعد ما شاهدنا الذي حدث لنا، بينما هناك بعض التجار الوطنيين الذين لا تعنيهم سوى مصالحهم التجارية، فيصبح الوطن ومستقبله أيضاً صفقة..!كنا نشاهد المشهد قبل الأحداث بسنوات، وكنا نحذر منه كصحافة، إلا أن أحداً لم يكن يأخذ الموضوع على محمل الجد، حتى وقعت الكارثة، صورة اتحاد العمال أمامكم، وصورة الغرفة إبان الأحداث الجميع شاهدها، فقد تم تسييس كل شيء وتم حرف المسار النقابي والتجاري عن الطريق باتجاه معين.نحتاج إلى رؤية من جميع التجار الوطنيين، الصغار والكبار، ونحتاج إلى أن تلتفت الدولة إلى خراب سنوات حين كدسنا مواطنين في جهات وتركنا الساحة لمن يريد اختطاف الوطن..!!