ذهبت إلى شنغهاي في 6 ديسمبر 2013 استجابة لدعوة من أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية للمشاركة في حوار دولي حول «الحلم الصيني» استمر على مدى يومين وضم حوالي 100 خبير حوالي الثلثين من مختلف مناطق الصين والثلث من 20 دولة من دول العالم في مقدمتها بالطبع من الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا ومصر وكوستاريكا وألمانيا وأستراليا وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا وإندونيسيا وتركيا والمكسيك وأوكرانيا وبلجيكا وغيرها من الدول عبر القارات.وانقسمت أعمال المنتدى إلى جلستين عامتين افتتاحية وختامية وإلى ثلاث طاولات مستديرة عقدت كل منها 4 جلسات وكان من حظي أن أكون مشاركاً في رئاسة إحدى تلك الطاولات المستديرة، والصينيون يتسمون عادة ببراعة التنظيم فكل طاولة مستديرة لها رئيسان أحدهما صيني والآخر أجنبي، ونفس الشيء في المتحدثين في الجلسة الافتتاحية والختامية يتم اختيار نصفهم من الصين والنصف الآخر من الأجانب بحيث يشعر كل مشارك أن له دوراً وأهمية، وأن وجوده ليس هامشياً وكذلك الأمر بالنسبة لوجود الخبراء والعلماء من الصين فلا يهمل أحد منهم مقابل الاهتمام بالأجانب، كما يحدث في بلادنا العربية نتيجة ما نسميه في مصر «بعقدة الخواجة» ولقد كان أكثر المشاركين من الولايات المتحدة والهند وألمانيا وبريطانيا وكان من مصر ثلاثة خبراء كل له مجاله وتخصصه، ولقد التقينا في الصين على غير موعد.افتتح المنتدى وزير الإعلام الصيني أو بالدقة هو مدير مكتب الإعلام التابع لمجلس الدولة بدرجة وزير، وليس لديهم ما يسمى بوزارة إعلام أو وزير إعلام كما هو الحال في بلادنا. وشارك في تنظيم المؤتمر مع أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية مكتب الدولة للإعلام، ودار النشر باللغات الأجنبية، ولذلك وجدت العديد من الإصدارات الصينية متاحة باللغات الأجنبية في هذا المؤتمر بوجه خاص مقارنة بمؤتمرات مماثلة.وشارك في الافتتاح عمدة شنغهاي ورئيس الأكاديمية وبعض الخبراء الأجانب ودارت أعمال المؤتمر حول ثلاثة محاور رئيسة خصص كل محور منها طاولة مستديرة. الأول الحلم الصيني والطريق الصيني، والثاني الحلم الصيني وازدهار العالم والثالث الحلم الصيني والتنمية السلمية أما القضايا التفصيلية في كل مائدة مستديرة أو في كل محور من هذه المحاور فقد قدم كل خبير رؤيته بشأنها ومن ذلك الحلم الصيني والإدارة، الحلم الصيني في إطار التناغم العالمي، الحلم الصيني والمستقبل من منظور تاريخي، الحلم الصيني من منظور عالمي، الحلم الصيني من منظور حضاري، الحلم الصيني من منظور مصري، الحلم الصيني من منظور مكسيكي، الأيدلوجية والحلم الصيني، الفلسفة ومفهوم الحلم الصيني،الحلم الصيني من منظور أوروبي، الحلم الصيني والحلم الأمريكي، الحلم الصيني والرعاية الاجتماعية، البعد الديمغرافي للحلم الصيني، البعد الأيكولوجي للحلم الصيني، الحلم الصيني والنهضة والانطلاق للصين، الحلم الصيني والقيم الصينية والعالمية.وطرحت عدة تساؤلات هل الحلم الصيني وطني أم عالمي؟ وهل هو حلم أفراد أم حلم جماعات وقوميات؟ أم حلم وطن بأسره؟ وما هي أبعاد هذا الحلم؟ وهكذا تم بحث الموضوع من مختلف جوانبه وخاصة الوطنية والدولية والإقليمية.ونسوق عدداً من الملاحظات ذات الصلة بأعمال المنتدى ومداولاته والمشاركين فيه:الأولى: أن المشاركين كانوا من المتخصصين في الشؤون الصينية من سياسيين وباحثين وأكاديميين من مختلف دول العالم، ومن جامعات الصين وأقاليمها وتم اختيارهم بعناية لإنجازاتهم العلمية في هذا المجال، وترك لكل واحد اختيار الزاوية أو الموضوع أو المحور الذي يرغب في التحدث فيه، وكانت المداولات صريحة وجريئة من الصينيين والأجانب، فأبرزت الجوانب الإيجابية والسلبية وحرص كبار المشاركين الصينيين على حفز الأجانب والأكاديميين الصينيين على التحدث بصراحة وشفافية لدرجة أن بعضاً من الخبراء الصينيين والأجانب أثاروا أن المفهوم لا يقدم جديداً، وليس بذي جدوى، مركزين على السلبيات، وإن كانوا قلة. ومعظم المشاركين تحدثوا بإيجابية وموضوعية مشيرين للتحديات والإيجابيات، وأيضاً للسلبيات والمخاطر والهواجس والشكوك من الخارج حول هذا المفهوم وهل هو توطئة لصعود صيني جديد على الساحة الدولية لتصبح قوة كبرى بمنطق السياسة الدولية ويتغير مفهوم صعودها السلمي؟الثانية: لم تظهر من خلال المداولات من الجانب الصيني بوجه خاص ومن كثير من الخبراء أية شكوك فيما يتعلق بصعود الصين السلمي أو التفكير في الماضي أو في الصراعات والخلافات، وهذا لا يعني عدم الإشارة للمخاطر والتحديات التي تواجه الصين في علاقاتها الدولية وخاصة مع الولايات المتحدة أو اليابان وقارن البعض بين علاقة الصين بأفريقيا وسعيها للحصول على مواردها وبين التكالب الاستعماري الأوروبي على أفريقيا في القرن التاسع عشر، وأشار البعض وهم قلة إلى ما أسموه الاستعمار الصيني الجديد لأفريقيا، في حين رفض البعض الآخر هذه المقولة على أساس أن الاستعمار الأوروبي الذي استمر أكثر من قرن من الزمان ترك أفريقيا في وضع اقتصادي وسياسي متخلف، في حين أن التعاون الصيني الأفريقي ركز على بناء المدارس والطرق والإنشاءات واستخراج الموارد الطبيعية وتطوير المجتمعات دون أن يكون الهدف هو الاستغلال لهذه الدول، مع عدم تجاهل وقوع بعض الحوادث في التعامل المباشر بين العمالة الصينية والعمالة الأفريقية في بعض الدول. وأكد الكثيرون حرص الصين على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية بخلاف الموقف الأمريكي أو الأوروبي الذي يدعو للتغيير والديمقراطية ويسعى لفرضها في الدول الأخرى.الثالثة: أبرز معظم المتحدثين أن ازدهار الصين مرتبط بازدهار العالم، وأن تقدمها التنموي السلمي هو لمصلحة العالم كما هو لمصلحة الصين وأن نجاح 1.3 مليار من البشر في تحقيق التقدم هو ضمانة لاستقرار العالم وتقدمه، وأن الصين لم تسع للهيمنة في حضارتها القديمة وكذلك لن تسعى في أوضاعها الراهنة وأنها تركز على مبادئ التعايش السلمي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ولا تسعى لنشر الفكر والثقافة الصينية العريقة ولكنها تسعى للتعريف بها من أجل أن يتعمق فهم العالم للصين وفهم الصين للعالم كما ذكر الرئيس شي جين بينج.الرابعة: خلص المؤتمر إلى مجموعة من الأفكار طرحت في الجلسة الختامية وفي مقدمتها:1. إبراز ارتباط الحلم الصيني بدور الحزب الشيوعي الصيني في النظام السياسي وحرصه على تطوير منهجه العملي وتعديله وفقاً للظروف والمتغيرات والمستجدات ومن ثم فهو لا يتبنى أيديولوجية جامدة وإنما أيديولوجية متطورة ومرنة تستفيد من تطور الصين وفكرها ومن الخبرات العالمية.2. إصرار الصين على منهجها القائم على الحوار والتواصل مع المجتمع الدولي وعلاقات حسن الجوار ومبدأ الازدهار المشترك.3. إن الحلم الصيني هو نافذة الصين على الماضي والاستفادة من دروسه وعبره من أجل فهم الحاضر وتطويره نحو المستقبل.الخامسة: أشار عدد من المتحدثين ومن بينهم كاتب هذه السطور إلى التحديات التي تواجه الصين في هذه المرحلة من التطور، ومن بينها الفوارق بين دخول المواطنين وبين الأقاليم، وإلى مسألة العمالة والهجرة من الريف للمدينة ودور القوميات الـ56 في الصين في تقدم الصين وضرورة التجاوب مع مطالبهم وتخفيف معاناتهم. في حين ركز آخرون على البعد الفلسفي للحلم الصيني باعتبار أن الفلسفة هي أم العلوم وأن الفلسفة هي علم الحكمة وبدونها يصبح العمل بلا روح والإنجاز بلا هدف، والتخطيط بلا غاية, ولعل مشاركة كثير من الخبراء الصينيين المتخصصين في الفلسفة كان له أثره في ذلك التوجه حيث أبرزوا دور الفرد وفكر الفرد بنفس القدر إن لم يكن أكثر من دور العامل الاقتصادي كما عبر عنه الفكر الماركسي التقليدي.السادسة: إن هذا المؤتمر اختلف عن كثير من المؤتمرات التي عقدت في الصين في كثرة الإشارات لدور ماوتسي تونج وفكره وكتاباته من أكثر من خبير صيني وإبراز إيجابيات مرحلته، في حين أنه كان يتم تجاهل ذلك في الماضي، ومن ثم فإن أحد جوانب الحلم الصيني هو رد الاعتبار لشخصيات صينية كبيرة أمثال كونفوشيوس وماوتسى تونج بوجه خاص وفي نفس الوقت. الإشادة بإنجازات دنج سياوبنج ودور شوان لاي وغيرهم من الشخصيات الصينية التي لها تاريخ بارز في نهضة الصين المعاصرة وتاريخها الثوري.السابعة: إن الحلم الصيني ركز على المستقبل وطموحات الصين لكي تصبح قوة اقتصادية عالمية دون تصادم مع أية دولة أخرى، فهو حلم تقدمي مستقبلي سلمي يتماشى ويعكس الصعود السلمي للصين، ولم يشر أي متحدث إلى أفكار الصراع الداخلي أو الخارجي أو الصراع الطبقي أو نحو ذلك من الأفكار التقليدية أو مفاهيم الكراهية والعداء، كما هو حادث في منطقة الشرق الأوسط. الصين تفكر للمستقبل وتخطط له وتنظر قليلاً للماضي لأخذ العبرة منه وهي تحلل أوضاعها بموضوعية دون أية حساسية للنقد الموضوعي البناء.الثامنة: وهي من الأمور الملفتة للنظر أن كثيراً من الخبراء من الدول الآسيوية والأفريقية واللاتينية اهتموا بأن يكون لبلادهم حلم مماثل وأبرزوا أن الحلم الصيني ليس حلماً في الفضاء الإلكتروني، وإنما هو حلم يجمع بين الخيال والواقع إنه حلم حقيقي واقعي، وليس حلماً يتبخر عند اليقظة، إنه يعبر عن هدف تسعى الصين لتحقيقه بكل قوة، وهذا ما يجعله يتحول إلى حقيقة، وإنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحزب الشيوعي الصيني وبتعميق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وبالصعود الصيني في العديد من المجالات.
Opinion
منتدى الحوار الدولي حول الحلم الصيني
18 ديسمبر 2013