إحدى الفضائيات التابعة لـ«المعارضة» بثت أخيراً ونشرت عبر موقعها الإلكتروني خبراً غريباً ومثيراً وطريفاً في آن واحد، فالخبر الذي أرادت به «المعارضة» إظهار نفسها على أنها مسالمة ولا تمارس العنف يناقضه الواقع ويفضحه، حيث تشهد الساحة يومياً عشرات العمليات التي لا علاقة لها بالسلمية ويسجل التاريخ والكاميرات العديد من المشاهد التي يتبين منها حجم العنف الذي يمارسه «أبطال الميادين» ضد رجال الأمن باستخدام أدوات مهيأة لممارسة فعل القتل. الخبر كما جاء عبر تلك الفضائية هو التالي: «قوى المعارضة تشدد على سلمية التعاطي مع الأجهزة الأمنية»! أي أن هذه القوى تطالب عناصرها الذين ينفذون عمليات التخريب في الميدان عدم الدخول في مواجهات مع رجال الأمن.. والتعاطي معهم بسلمية! طبعاً من صاغ هذه العبارة لم ينتبه إلى أنها تتضمن اعترافاً صريحاً بأن قوى المعارضة تتعاطى مع الأجهزة الأمنية بلا سلمية أي بعنف وأنها -ربما بمناسبة الفورمولا- تطالبهم أو تتمنى عليهم التعاطي مع الأجهزة الأمنية بسلمية! في كل الأحوال هي مطالبة طيبة تشكر عليهـــا «القوى الوطنيـة»، ولكن هل حقـــاً تتعاطى عناصرها التي تمارس مختلف صور التخريب مع رجال الأمن بسلمية؟ وهل يمكن أن يحدث مثل هذا الأمر فعلاً؟ وكيف؟ مجموعة من الملثمين يقتحمون شارعاً ويعطلون فيه السير ومصالح المواطنين والمقيمين ويشعلون النيران في إطارات السيارات. رجال الأمن يتعاملون معهم فيبادر الملثمون بإلقاء زجاجات المولوتوف الحارقة القاتلة عليهم. هل هذا تعاطٍ سلمي؟ وهل يمكن لـ«أبطال الميادين» أن يتعاملوا مع رجال الأمن بطريقة أخرى تعبر بالفعل عن السلمية؟ مجموعة أخرى تقرر في لحظة تنفيذ الأوامر التي تسلمتها لمهاجمة نقطة للشرطة، يهاجمونها على حين غرة بمئات قنابل المولوتوف. هل يدخل هذا في باب التعاطي السلمي مع رجال الأمن؟ مجموعة ثالثة تخرج من بطن مسيرة سلمية تم الترتيب لها حسب القانون وتمارس صوراً من أعمال العنف والتخريب، هل يدون هذا في باب السلمية والتعاطي السلمي مع الأجهزة الأمنية؟ هناك إذاً خطأ في التعبير، أو خطأ في فهم قوى المعارضة لعناصرها التي تنفذ تلك العمليات، لأنه منطقاً وواقعاً لا يمكن لمجموعات متحمسة للانتقام من رجال الأمن أن تتعاطى بسلمية مع الأجهزة الأمنية. ترى كيف لهذا الشاب الذي تم شحنه ودفع به إلى الميدان ليمارس أعمال التخريب أن يتعاطى مع رجال الأمن بسلمية؟ التعبير دونما شك خاطئ لأنه لا مقابل حقيقياً له على أرض الواقع، لذا فإن الأمر لا يخرج عن ثلاثة، إما أن قوى المعارضة لاتزال دون فهم عناصرها التي تعمل في الميدان، خصوصاً وأنها أدخلت نفسها معها عنوة في محاولة للاستفادة منها لذا لم تتمكن من السيطرة عليها، أو أن التصريح «الدعوة» هو للاستهلاك المحلي بمناسبـــة سبــاق الفورمولا، أو أن قـــوى المعارضة تريد أن «تقص» على العالم فتبيعه بضاعة مغشوشة، ظاهرها السلمية ومفعولها العنف. مـــا أراه هو أن هذه القوى لا سلطان لهـــا على تلك المجموعات التي تنفذ تعليمات آخرين، وأن هذه القوى إنما تركب الموجة لعلها تسجل هدفاً لصالحها فتبدو وكأنها معهم فلا يضيع الشارع منها، وأن هذه القوى تريد أن تقول إنها هي من يتحكم في الشارع وإن الجميع يستجيب لها. القوى المعارضة تقف مع تلك المجموعات، تؤيدها وتدعمها وتحميها، لكن لا سيطرة لها عليها ورأيها غير غالب. ما حدث مباشرة بعد نشر هذا الخبر الغريب والمثير والطريف من أعمال عنف يؤكد أن تلك المجموعات تعاملت مع الأجهزة الأمنية بعيداً عن رغبة القوى المعارضة!