وزير الصناعة والتجارة رد بسرعة منقطعة النظير يوم الإثنين 3 مارس الحالي على ما نشرته في هذا المكان يوم الأحد 2 مارس تحت عنوان «الاختيار بحجم المسؤوليات لا التفاهمات»، وأكدت فيه على المسؤوليات الكبيرة المنوطة بمجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة البحرين بتشكيلته الجديدة. من بين هذه المسؤوليات التأكيد على استقلالية الغرفة «في تعاملها مع الجهات الرسمية في الدولة، وعلى الأخص وزارة الصناعة والتجارة، بحيث ينتفي من هذا التعامل شبهة الخضوع للقرار الرسمي دون مناقشة واعتراض». لكن وزير الصناعة والتجارة رد على وجهة النظر هذه كما بينت باستعجال، فلم يفكر فيما قلت وقصدت من معنى وهدف، ولم يتشاور - على ما يبدو - مع المسؤولين في وزارته من وكلاء ووكلاء مساعدين ومديرين، ويسألهم الرأي في ما ذهب إليه الكاتب، وفي ما خص الوزارة مما ذكر، ومن ثم هل يتطلب من الوزارة أن ترد عليه، وإذا كان هناك رد فما هو هذا الرد. ويبدو أن استعجال الوزير جعله يرد بسرعة وانفعال على مسألة لا تخص وزارته ولا تتهمها بأي تهمة، وإنما الملاحظات والآراء موجهة كلها إلى مجلس إدارة غرفة التجارة والصناعة، والذي عليه أن يحرص على استقلالية الغرفة في تعاملها مع الجهات الرسمية، على اعتبار أن الاستقلالية هي عكس التبعية، وأن المطالبة بالاستقلالية لا تعني أبداً عدم التعاون والحرص على العمل المشترك، وهو مطلب أكدت عليه في كل مقالاتي التي كتبتها عن انتخابات الغرفة الأخيرة، وقلت بشأنه إن الغرفة تمثل القطاع الخاص والحكومة تمثل القطاع العام، والتعاون بينهما لا بد منه من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني. غير أن الوزير لديه خلط بين التبعية والتعاون وربما يجدهما متداخلين، ولذلك تراه يقول في رده المستعجل وغير المتأني: «نود إفادة الصحافي والعامة بأنه قد قيل سابقاً وفي مناسبات عدة إنه منذ أن صدر المرسوم بقانون رقم 48 لسنة 2012 بشأن غرفة تجارة وصناعة البحرين لم تتدخل وزارة الصناعة والتجارة بأي شأن من شؤون الغرفة»، كلام جميل، لكن ما هو الداعي لهذا الكلام في الوقت الذي لم يقل أحد إن الوزارة تدخلت، ولم يطالب أحد الوزارة بعدم التدخل مستقبلاً، إذاً لماذا هذا الكلام الجميل.يجيب ذلك على الوزير في رده المستعجل قائلاً: «ثانياً، كما نود الإفادة بأن التدخل إن كان مطلوباً في المستقبل فإن الحكومة الموقرة هي الجهة المعنية التي أناط بها القانون ذلك إذا كانت هناك مخالفة للدستور أو في سبيل الصالح العام».هذه المرة كلام غريب، فما الذي يعنيه الوزير بالوزارة والحكومة، هل هناك فرق بينهما، هل وزارة الصناعة والتجارة لا تمثل الحكومة والعكس صحيح، ثم هل يعني الوزير أن الوزارة كانت تتدخل في شؤون الغرفة في الماضي، أما في المستقبل فستقوم الحكومة بمثل هذا التدخل. هذا جانب، والجانب الآخر أي قانون هذا الذي يمنح السلطة التنفيذية التدخل في نشاطات ومواقف وقرارات وآراء غرفة التجارة وهي هيئة ذات شخصية اعتبارية مستقلة إدارتها منتخبة من شريحة واسعة من المواطنين، أقول أي قانون دستوري هذا الذي يجيز للحكومة، التدخل في شؤونها إذا «ما كانت هناك مخالفة للدستور في سبيل الصالح العام»، ففي الدولة الدستورية مثل البحرين، وفي الحالتين المذكورتين التدخل يكون فقط من جانب السلطتين التشريعية والقضائية، وأي قانون يعطي هذا الحق للسلطة التنفيذية حق التدخل فعلى إدارة الغرفة أن تطعن في دستوريته.ثم ماذا تعني عبارة «مخالفة للدستور» وأختها «أو في سبيل الصالح العام»، أليست هذه عبارات مطاطة لا حدود لها ويمكن أن تستغلها وزارة التجارة أو الحكومة أو في أي وقت تشاء للتدخل في شؤون الغرفة وإبطال موقف أو قرار اتخذته ويتعارض مع رغبة أو توجه معين للوزارة أو الحكومة، ثم من قال إن أعضاء الغرفة موافقون على ما تسميه قانون، وإنهم لم يطالبوا المجلس الجديد بالعمل على إعادة النظر فيه وتصحيحه.الوزير في رده المستعجل بدلاً من أن يفند ما ذكرته في مقالي من أن «الاستقلالية ضرورية لتفعيل التوجه المتعلق بالمشاركة في اتخاذ القرار الاقتصادي، كما إن من متطلباتها أن تتمتع الغرفة بالاستقلال الإداري والمالي عن الجهة الرسمية بحيث يأتي الدعم المالي لميزانية الغرفة من الدولة وليس من الحكومة، وأن يذهب إلى مالية الغرفة وليس إلى أشخاص، فالدعم في حالة الشخص يعتبر راتباً يتم دفعه مقابل عمل أو التزام تجاه الجهة التي تدفعه وبالتالي يلغي الاستقلالية». الوزير رد على الرأي قائلاً: ثالثاً إن الحكومة الموقرة تقدم منحة مالية سنوية لغرفة تجارة وصناعة البحرين، وحرصاً من الجميع على المال العام وبسبب العجوزات المتفاقمة في الميزانية فإن اللائحة التنفيذية اتفقت على ما يحصل عليه رئيس مجلس الإدارة من مخصصات يساوي ما يحصل عليه الوزير في الحكومة، وليس هناك غرابة في ذلك. لا أبداً، الغرابة فقط في أن الحكومة تقدم المنحة المالية وليست الدولة من خلال الميزانية العامة للدولة، ثم هذا كان زماناً أما الآن فإيرادات الغرفة كبيرة ولا تجعلها بحاجة إلى الحكومة لتغطية العجز في ميزانيتها، ثم كيف تحافظ الحكومة على المال العام عندما تقدمه إلى الغرفة، وليس إلى صندوق الضمان الاجتماعي، وأي محافظة على المال العام في دفع راتب وزير إلى رئيس مجلس إدارة جهة مستقلة تمثل القطاع الخاص، وأي لائحة تنفيذية هذه التي تعلو على القانون وتجيز لنفسها دفع الراتب المذكور يا معالي الوزير المستعجل؟!!