حين قام الشاب الفقير بو عزيزي بحرق جسده الضعيف بكل عفوية دفاعاً عن حقه، وعلى إثر ذلك نشبت ثورات في مختلف الوطني العربي، وسواء كانت تلك الثورات شرعية ومتقبلة أم كانت غير منطقية أصلاً؛ بدأ فصل الربيع العربي، ومن بعد تونس قامت ثورات وثورات في كل العالم العربي. اليوم وبعد أن نجحت بعض الثورات في إسقاط الأنظمة، أو فلنكن أكثر دقة، حيث أسقطت الحاكم فقط دون النظام، جاء بعض «إلي خبري خبرك» من المتسلقين والمنتفعين من بعيدٍ جداً ليسرقوا الثورات العربية بما فيها والجمل بما حمل، أما من قاموا بالتضحيات الجسام وخرجوا في سبيل إسقاط الدكتاتوريات وضحوا في سبيل أوطانهم ومستقبلهم، فإنهم خرجوا من المعادلة ومن كل شيء، وذلك وقت تقسيم المناصب والغنائم.هذه هي قذارة السياسة والسياسيين؛ حيث إنهم يجلسون على التل أو في أحضان المكيفات، وحين يسقط النظام تراهم يهرولون إلى الشارع فيخطبون ويرعدون، حتى يخالهم الناس أنهم هم لا غيرهم من قام بالثورة وأسقط الظلم، لكنهم في الحقيقة مجرد لصوص ثورات، كانوا يتحينون الفرصة للانقضاض على الغنائم.في تونس الخضراء، وهي أول دولة قام شبابها بالثورة، ها هم اليوم بعد أن فقدوا أجزاء مهمة من أجسادهم ومن وظائفهم، وبعد أن جرحوا بشكل خطير إبان الثورة، يجلسون كالمتسولين أمام المجلس الوطني التأسيسي، لا لكي يطالبوا أعضاء المجلس بمنصب أو كرسي أو حتى بمكيف تبريد، بل يريدون منهم فقط أن يقوموا بعلاجهم واسترداد ما فقدوه جراء القمع الوحشي من حقوق إنسانية وأعضاء جسدية فقدوها جراء البطش الحكومي آنذاك، لكن سراق الثورة التونسية اليوم يتجاهلونهم بل يحذرونهم أيضاً بفك اعتصامهم وإلا!نعم يا سيدي، أنت في العالم العربي، حيث هنالك صنفان من الناس، صنف يصنع الثورة وصنف يسرقها، من يقوم بالثورات العربية هم الفقراء والجياع من المشردين والباحثين لهم ولعيالهم عن لقمة عيش وشربة ماء ومأوى ولباس يواري عوراتهم، أما من يقوم بسرقة عرقهم وتضحياتهم وثورتهم هم أولئك الذين يترأسون الأحزاب السياسية من الذين يرتدون معاطف وبدل مخملية بريطانية وربطات عنق فرنسية، ويجتمعون في مقراتهم الحزبية يرطنون باللغات الأجنبية ويألفون كتباً عن النضال السياسي وعن التضحيات، لكنهم ليسوا سوى حفنة من المنتفعين والمنتفعات، يتحينون الفرصة للانقضاض على كرسي الحكم، أما العبيد والأغبياء والجرحى والفقراء فإنهم سيجدون أنفسهم بعد الثورة خارج الدولة!ليست تونس هي وحدها من تعيش هذه السرقات البشعة وسحب بساط الثورة من تحت أرجل الشعوب، بل هذه ظاهرة عربية خالصة بامتياز، تمتد وستمتد من المحيط إلى الخليج، والأيام القادمة ستبين لكم صحة ما نقوله هنا عن كهنة الأحزاب السياسية والدينية وعن «حرامية» الثورات، أما الشعوب فلها الله.. والله المستعان.