لم يكن في وسع السعودية التي رفض وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل إلقاء كلمته أمام الجمعية العامة وحتى توزيع نصها على الوفود، أن تقبل عضوية مجلس الأمن، بما يفرض عليها عملياً وبحكم الواقع البائس الذي يتحكم بهذه المؤسسة الدولية، أن تنضم إما إلى جوقة المصفقين لـ«أباطرة الفيتو» الذين يعطلون قيم الشرعية الدولية خدمة لمصالحهم وسياساتهم، وإما أن تعلك المرارة وهي تقف عاجزة عن تغيير هذا الواقع الرديء.قرار الاعتذار السعودي شكل صدمة لدى روسيا التي اعتبرته «غريباً جداً»، وأمريكا التي ابتلعته على مضض، لكنه جاء تعبيراً صارخاً صريحاً وجريئاً عن تاريخ من المرارات الدولية التي طالما انتقدت عجز مجلس الأمن وإخضاعه لمصالح الكبار؛ إما عن طريق تعطيله بحق النقض الذي لم يعد يلائم العصر، وإما عن طريق تسخيره لمصالح الحيتان التي تناقض الأهداف التي أنشئت الأمم المتحدة من أجلها!لست في حاجة إلى التذكير بأن عقد الستينات حفل بدعوات دول كثيرة مثل «حركة عدم الانحياز» و«الجامعة العربية» و«منظمة الوحدة الأفريقية» إلى إعادة النظر في آليات عمل مجلس الأمن، فقد وصل الأمر إلى حد المطالبة بنقل الأمم المتحدة من أمريكا بهدف رفع الوصاية عنها. ومن الضروري أن نتذكر أن باراك أوباما وصل في 5 سبتمبر إلى «قمة العشرين»، مكرراً انتقاد شلل الأمم المتحدة حيال الأزمة السورية، وهذا الكلام سمعناه من البريطانيين والفرنسيين الذين يعترضون على تعطيل التدخل الدولي لوقف المذبحة السورية التي تلوث شرف الأمم المتحدة بالوحل.السعودية أوضحت أنها ليست ضد الإجماع الدولي، ولكنها تريد مثل دول كثيرة، إصلاح مجلس الأمن وجعل مواقفه تعكس القيم التي أنشئت الأمم المتحدة من أجلها، وفي هذا السياق تعمدت التذكير بثلاث قضايا تعامل معها مجلس الأمن بطريقة معيبة وهي:قضية فلسطين التي تبقى دون حل عادل ودائم منذ 65 عاماً، رغم عشرات القرارات ذات الصلة الصادرة عن المجلس، والفشل في جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل في إشارة إلى إسرائيل وإيران، والسماح المعيب للنظام السوري بقتل شعبه وإحراقه بالكيماوي أمام أعين العالم دون أي عقوبات رادعة، لا بل إن المستر جون كيري لم يتردد في الإشادة بهذا النظام لأنه قبل تسليم ترسانته الكيماوية، ولكأن في مبادئ الأمم المتحدة تقديم الجوائز للقاتل الذي يسلم سلاح الجريمة!قرار الاعتذار السعودي جاء بعد سلسلة من المواقف الصريحة التي انتقدت عجز الشرعية الدولية؛ ففي 10 فبراير من العام الماضي قال خادم الحرمين الشريفين في مهرجان الجنادرية: «كنا نعتقد أن الأمم المتحدة تنصف، لكن ما يحدث لا يبشر بالخير.. ثقة العالم بالأمم المتحدة اهتزت، ولا يصح أن تحكم عدة دول العالم. يجب أن يحكم العالم العقل والأخلاق والإنصاف من المعتدي». وفي 6 فبراير الماضي وفي كلمة ولي العهد الأمير سلمان نيابة عنه في القمة الإسلامية في القاهرة، لوح بإدارة الظهر إلى الأمم المتحدة بقوله: «إن مجلس الأمن هو الكيان الدولي المعني بتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وإذا فشلنا في جعله يهب لنصرة الأمن والسلم في سوريا وفلسطين فعلينا أن ندير ظهورنا له وعلينا أن نعمل على بناء قدراتنا لحل مشكلاتنا بأنفسنا». إن هذا الكلام يشكل تعبيراً عن تاريخ طويل من الخيبة الدولية من عجز الأمم المتحدة واستغلال الدول الكبرى لها، سواء في خصوماتها أيام الحرب الباردة و«الاستقطاب الثنائي» أو في تفاهماتها تحت الطاولات وعلى حساب الدول الأخرى، وخصوصا في العالم الثالث!يقف ديفيد كاميرون وفرنسوا هولاند في مقدمة الذين ينعون مجلس الأمن ويعتبرون أنه يواجه مأزقاً سياسياً وأخلاقياً في سوريا، بسبب الشلل المفروض بالفيتو الروسي - الصيني، لكن شلله مزمن حيال قضية فلسطين وحيال إغراق المنطقة بسلاح الدمار الشامل كما حيال قضايا كثيرة في العالم، ولهذا يشكل الاعتذار السعودي عن قبول عضويته صرخة اعتراض مدوية نيابة عن امتعاض عالمي مزمن من هذا الواقع تدفعنا إلى إعادة طرح الأسئلة المزمنة:هل يجوز أن تستأثر دول أنظمة الأوليغارشية الفاسدة والليبرالية المتوحشة بتفويض مطلق وبقدرة على النقض وتعطيل الشرعية الدولية وإخضاع قواعد الاشتباك الدولية، لمعايير تحددها مصالح بعيدة عن القيم التي تنادي بها الأمم المتحدة، وما قيمة بقاء المنظمة الدولية عندما تتحول إلى أداة للتعامي عن القتل وتشجيعه كما يجري في سوريا، أو لترسيخ العدوان والاحتلال كما يجري في فلسطين، أو للمساعدة على امتلاك أسلحة الدمار الشامل كما حصل في إسرائيل ويحصل في إيران؟ نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية