في الأيام القليلة الماضية تكرر تعبير تحقيق الأمن الغذائي أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة ومكان، الزيارة التي قام بها جلالة الملك لباكستان تمخضت عن توقيع عدد من الاتفاقات بين شركات في البلدين تتعلق بتصنيع واستيراد اللحوم الحمراء والبيضاء والزيوت والرز وغيرها من المواد الغذائية واعتبرها الجانب البحريني أنها تصب في جانب تحقيق الأمن الغذائي.. ومعرض مراعي في نسخته الثالثة كثرت التصريحات قبل وبعد افتتاحه والتي تتحدث عن أنه سيساهم في تحقيق الأمن الغذائي في البلاد، والمعرض كما رأينا وقرأنا نظم مسابقات في أجمل خيل وبقرة وقطة وطير، وزاره ربما 100 ألف زائر كلهم تقريباً من هواة ومربي الطيور والحيوانات المذكورة، ومنهم أولئك الذين اصطحبوا أطفالهم باعتبار المعرض ملتقى للتسلية والترفيه، أكثر منه مكاناً لمعرفة حجم الإنتاج الحيواني وإمكانية تطوير وزيادة هذا الإنتاج مستقبلاً، ونسبة الاكتفاء الذاتي التي ستتحقق جراء تنظيم معرض مراعي، وهي النسبة التي تجعلنا لقول إنه معرض الأمن الغذائي. مجلس النواب بدوره دخل على خط الأمن الغذائي ووافق على اقتراح بتأسيس شركة لتحقيق الأمن الغذائي تختص الحكومة وحدها بتأمين رأس المال للشركة المذكورة من أجل الاستثمار في زراعة الأرض التي خصصتها السودان للبحرين والتي تبلغ مساحتها 4 كليومترات مربعة، واعتبر المجلس أن الإنتاج الزراعي لهذه الأرض سيساهم في تحقيق الأمن الغذائي، هكذا وقبل تحديد أو معرفة نوعية هذا الإنتاج. وفي كل هذه الأحوال وغيرها فإن مجرد ذكر الأمن الغذائي يدل على وجود وعي متنامٍ بالحاجة إلى الأمن الغذائي، ووجود رغبة في وضع السبل والوسائل للوصول إليه، وقبل ذلك تحديد القطاعات والمجالات التي تعاني فيها البحرين من أزمة الأمن الغذائي، وبالتالي تتطلب معالجة هذه الأزمة بتوجيه الإنتاج، واختيار الأصناف والأنواع والكميات لسد العجز في الأمن الغذائي. أما الآن وقد أظهرنا اهتماماً وأبدينا حماساً، وأحسسنا بخطر وأضرار فقداننا للأمن الغذائي، وقررنا العمل من أجل تحقيقه ولو بالتدريج، فإن أول الخطوات التي علينا أن نخطوها في هذا المجال هو تكليف لجنة من أصحاب الخبرة والاختصاص بدراسة الوضع الغذائي في البلاد بكافة قطاعاته ومجالاته، ابتداء بالقطاع الزراعي ومنتجاته وانتهاء بقطاع اللحوم وأنواعها، دراسة تبين لنا أولاً ما هو الحجم المحلي المتوفر منها، وما هو الحجم والأنواع التي نعاني من نقص فيها، سواء كان هذا النقص نسبياً أو كلياً، وبعد ذلك تتحدث الدراسة في الجزء الثالث الأهم عن الكيفية التي بها سنوفر احتياجاتنا الغذائية، وسنسد النقص، ومتى وأين، وعلى أي مدى سوف نستطيع ذلك؟ الدراسة المذكورة يفترض أن تنتهي أو تصل إلى وضع استراتيجية للأمن الغذائي في مملكة البحرين تتضمن، إضافة إلى ما سبق، مسؤولية الدولة في ضمان تحقيق الأمن الغذائي وفي توفير الدعم وتقدم التسهيلات اللازمة للوصول إلى الهدف النهائي. كما تتضمن الاستراتيجية الدور الذي على القطاع الخاص أن يلعبه في سبيل إقامة المشروعات والشراكات في الداخل والخارج، والتي تصب كلها في توفير المنتجات الغذائية المطلوبة لسد النقص في الوضع الحالي وتوفير كميات وأنواع وخيارات أخرى بغرض إحداث المنافسة في السوق، وتقديمها للمستهلك بأسعار مناسبة. ومع تفهمي لحماس النائب عادل العسومي مقدم اقتراح تأسيس شركة لتحقيق الأمن الغذائي بمجلس النواب، ودعوته إلى أن تتولى الحكومة تأسيس هذه الشركة وتمويلها، وعدم إشراك القطاع الخاص فيها، فما فهمته من مطالبة النائب العسومي ناتجة من تحميله المسؤولية للتجار في الارتفاع المتواصل لأسعار المواد الغذائية بأنواعها المختلفة ولثقته بأن الحكومة سوف تحمي المستهلك من جشع التجار هذا. والصحيح أن الحكومة ليست في وضع يمكنها من التصدي لأزمة الغذاء إنتاجاً وأسعاراً، فالذي فيها يكفيها ويزيد، وأن الظرف الاقتصادي الحالي يتطلب من الحكومة التوجه بقوة وجدية نحو الخصخصة وبيع الكثير مما تملك في إدامة وممتلكات وغيرها، وتعمل على تفعيل دور القطاع الخاص كقائد لقاطرة الاقتصاد الوطني. وفي هذا الصدد فإن على مجلس التنمية الاقتصادية ووزارة الصناعة والتجارة أن تعملا على حث القطاع الخاص ممثلاً في غرفة التجارة والصناعة على تأسيس شركات مساهمة عامة تتخصص في إقامة مشروعات وشراكات الإنتاج الغذائي، وأن تبدأ بتحويل شركة البحرين للمواشي إلى شركة مساهمة عامة، وتفرض على المستثمرين في المجالات الغذائية الأخرى أن يسيروا في نفس الاتجاه، أملاً في استفادة تجارب ترافكو والاستيراد والمطاحن وغيرها من شركات الأغذية السبعينات.
Opinion
استراتيجية الأمن الغذائي
27 مارس 2014