الدراسة التي أجراها الدكتور حسن العالي، وقارن فيها بين المكافأة التي يتقاضاها النائب العضو بمجلسي الشورى والنواب وأمثالهم من النواب في أوروبا والعالم المتقدم، هذه الدراسة دلت على أن النائب البحريني يتقاضى مكافأة وما يتبعها من علاوات وزيادات هي الأعلى في العالم على الإطلاق. فهو على سبيل المثال يتقاضى 6.6 مرة من متوسط دخل الفرد من الدخل القومي، في حين يتلقى البرلماني الإيطالي وهو الأعلى أوروبياً 5.5 مرة، ومن جانب آخر فمكافأة النائب البحريني تساوي 10 أضعاف متوسط رواتب القطاع العام في البحرين وهي نسبة تعتبر هي الأخرى الأعلى في العالم على الإطلاق. إن إعداد هذه الدراسة، وبالتالي إثارة الموضوع قد جاء بمناسبة طلب أعضاء مجلس الشورى إزالة سقف المعاش التقاعدي لهم ولأعضاء مجلس النواب وبما يتجاوز الأربعة آلاف دينار، إضافة إلى معاملة الذين لم يكملوا أربع سنوات بنفس معاملة الذين أكملوا هذه المدة، وبالتالي حصولهم على راتب تقاعدي بنسبة 50%. إذا اعتبرنا حسب الدراسة المذكورة أن كلفة رواتب ومزايا أعضاء المجلسين عالية، بل هي الأعلى في العالم، وهي تشكل عبئاً على الميزانية العامة للدولة، وباب الرواتب والأجور منها بالتحديد، فكيف بنا أن نقبل إضافة أعباء جديدة وكلفة أخرى بالموافقة على قبول وجود تقاعد للنائب أصلاً، ثم بجعل هذا التقاعد يتجاوز الأربعة آلاف دينار نظير عمل مدته 8 سنوات. إن الشوريين رفعوا قرارهم الخاص بالتقاعد للحكومة لكي تعيد صياغته حسب نص الدستور ومن ثم تحليه إلى مجلس النواب، ولسان حال الشوريين عندما رفعوا قرارهم للحكومة يقول إن الوزراء ليسوا أحسن منا، وبما أن سقف راتب تقاعدهم مفتوح فإننا نريد أن نكون مثلهم. والشوريون عندما قدموا مطلبهم هذا، فهم إنما كانوا يتدللون على الحكومة باعتبارها هي الجهة التي استبقت انتخابات 2002 بتحديد مكافآت ومزايا النواب من أعضاء السلطة التشريعية، وذلك من خلال مرسوم الشورى والنواب الذي صدر قبل منتصف ذلك العام، وجاء تحديد المكافأة من قبل الحكومة بعيداً عن المعايير العالمية التي تقوم فيها جهة محايدة «لا من الحكومة ولا من السلطة التشريعية» بتحديد هذه المكافأة. غير أن الهدف من قيام الحكومة منفردة بتحديد المكافأة التي سيحصل عليها النائب هو إغراء أو تشجيع أكبر عدد عن الناس على الترشح للانتخابات النيابية، وهو ما حدث بالفعل، فقد جاءت استجابة الأكثرية من الذين ترشحوا لتلك الانتخابات وما بعدها بغرض الحصول على الراتب «المكافأة» المجزي والمغري وعلى المزايا الأخرى التي بلغت آلاف الدنانير بالنسبة للمجلس الأول على الأقل. وبالتالي فإن الذي حدث في البحرين لا سابقة له لا من حيث حجم المكافأة والمزايا الأخرى، ولا من حيث الجهة التي حددت المكافأة ولا الأسلوب الذي تم به ذلك التحديد، وكانت النتيجة هو أن المجالس النيابية «النواب والشورى» استقطبت مرشحين ومعينين أقل كفاءة وأضعف خبرة ومقدرة على وضع السياسات ووضع الحلول للقضايا والمشكلات بل والأزمات التي تمر بها البلاد، باعتبارهم أعضاء سلطة تشريعية ورقابية، وأن هذا أدى بدوره إلى حدوث أداء ضعيف للمجلسين، انعكس بصورة تراكمية على مطالب ومصلحة شعب البحرين. واليوم والبحرين تعاني من أزمة اقتصادية سببها الزيادة في المصروفات وتبديد المال العام رغم تقارير الرقابة المالية المتكررة، وضعف رقابة ومحاسبة السلطة التشريعية، فإن الدولة مطالبة بإعادة النظر في الكثير من أوجه مصروفاتها وذلك بترشيد هذه المصروفات، وتوفير الكثير منها للصرف على المشروعات بصفة عامة والمشروعات الاجتماعية ومشروعات البنية التحتية بصفة خاصة. وإعادة النظر في مكافآت النواب «إضافة إلى الوزراء والمستشارين» هي واحدة من الوجوه التي يجب أن تتم خلال الشهور القليلة القادمة وقبل الانتخابات القادمة، على أن يتبع هذا التقليص التوعية بأسباب إخفاقات المجالس التشريعية، وكذلك بوضع معايير لتقييم أداء أعضاء المجلسين سنوياً، وإعلان ذلك على الملأ، وغيرها من الوسائل التي تجعل من الصرف على السلطة التشريعية مجدياً ومفيداً لشعب البحرين لا عبئاً عليه.