إن ما حصل عليه السوريون بنتيجة قمة الكويت من قول مكتوب قليل، وغالباً فإن الفعل الذي سيعقبه أقل أيضاً، وإن كانت الأمنيات غير ذلك تماماً، وذلك لن يمنع السوريين عن مخاطبة محيطهم العربيأنهت القمة العربية الخامسة والعشرون دورة اجتماعاتهــا فـي الكويـت قبـل أيـــــام، وكانت القضية السورية أحد أبرز الموضوعات المطروحة أمامها، والأمر في هذا لا يتصل فقط بأهمية القضية في العلاقات العربية - العربية، وإنما بالتحركات السورية والعربية التي رافقت استعدادات القمة، وبتطورات القضية السورية بما تمثله للكيان العربي من تحديات، لا تتعلق فقط بالواقع العربي وإنما بمستقبله أيضاً.ولأن الوضع على هذا النحو من الأهمية، فقد كان ولابد للسوريين من حراك نحو القمة العربية وفيها، رغم أن لديهم كثيراً من الأسباب والدواعي التي تدفعهم إلى البعد عنها، بعد أن أثبتت مرات كثيرة ضعفها وعدم جدواها في التعامل مع القضايا العربية والقضية السورية على نحو خاص.واستبق السوريون حدث القمة بتدخلات لدى جامعة الدول العربية من خلال الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة المعترف به ممثلاً للشعب السوري، كان من نتيجتها دعوة وفد من الائتلاف لحضور القمة العربية في الكويت، حيث ألقى رئيس الائتلاف أحمد الجربا كلمة لخصت ما يريده السوريون من القمة العربية.وركزت كلمة الائتلاف على تذكير القادة بمجريات باتت بمثابة حقائق، تتصل بالقضية السورية في البعدين الداخلي والخارجي، كان الأبرز فيها تأكيد أن الشعب السوري يواجه حرباً مدمرة من جانب نظام الأسد وحلفائه، وهي في جانب منها حرب بالوكالة ضد السوريين غايتها تركيع العرب، في إطار مشروع يستهدف سوريا وكل العرب، مشروع لا يجوز الصمت عنه لأنه سيخلف في كل مرة سوريا جديدة وسيفتح حروباً غير محدودة في المنطقة، وأن أدوات المشروع حلف مقدس من القتلة موزعين على خط، يبدأ من ساحل البحر المتوسط إلى سوريا والعراق وصولاً إلى إيران.وأكدت الكلمة، أن السوريين جادون في متابعة مقاومتهم لنظام الأسد وحلفائه، وأنهم في الطريق إلى النصر لأن عزيمة السوريين لن تكسر، وإرادة الحياة والحرية لن تهزم، وأن قواتهم مستمرة في المواجهة مع قوات الأسد ومرتزقة «حزب الله» وأمثالهم، كما في المواجهة مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، والأخيرة إشارة إلى تمايز ثورة السوريين من أجل الحرية والعدالة والمساواة عن طروحات جماعات التطرف التي يعتبر تنظيم «داعش» مثالها.وبعد أن رسمت الكلمة بعضاً من ملامح الوضع السوري وعلاقاته الخارجية، انتقلت إلى عرض مطالب، يعتقد السوريون بضرورة طرحها أمام القادة العرب ليكونوا شهوداً من جهة ومطالبين بخطوات عملية حيالها من جهة ثانية، وفي هذا السياق جاءت المطالب للقمة مفتتحة بثلاثة: «أولها، الضغط على المجتمع الدولي من أجل الالتزام بتعهداته حــول التسليح النوعي لثوارنا الذين بذلوا أرواحهم من أجل حرية وكرامة السوريين والعرب جميعاً، والثانية، تكثيف الدعم الإنساني بكل محتوياته لإخوانكم السوريين في الداخل والشتات الذين يكابدون ويعانون، وقد صبروا حتى ضاق الصبر ذرعاً بهم، والثالثة، الاهتمام بأوضاع اللاجئين والمقيمين السوريين في البلدان العربية وخاصة الأردن والعراق ولبنان، وهم ضيوف في هذه البلدان، ينبغي أن يعودوا إلى بلدهم مع نهاية الوضع القائم، ونحن ضد بقاء السوريين خارج وطنهم في كل الأحوال».وبرفقة المطالب الرئيسة، تمت صياغة مطلبين فرعيين، أولهما يتصل بمقعد سوريا في القمة وفي جامعة الدول العربية بعد اعترافهما في مــارس 2013، بأن الائتلاف يمثل الشعـــب السوري بدلاً من النظام الذي علقت عضويته منذ أواخر عام 2011، وقد ثارت تقولات حول أحقية الائتلاف بتسلم المقعد في غضون العام الماضي، مما دفع الائتلاف للمطالبه به مجدداً، والأمر الثاني، كان المطالبة بتسليم السفارات السورية في العواصم العربية إلى الائتلاف الوطنــي بعــد أن فقــد النظـام شرعيتــه، ولـم يعد للسوريين من يرعى مصالحهم في تلك العواصم، الأمر الذي يربك العلاقات السورية – العربية، ويجعل أحوال السوريين أصعب.لقد سعى السوريون عبر كلمة رئيس الائتلاف أحمد الجربا إلى إعادة تلخيص المشهد السوري في البعدين المحلي والخارجي، وتذكير القادة العرب بتفاصيل وحيثيات لا يجوز أن تغيب، أو أن يتم تجاهلها، ثم انتقلوا إلى عرض مطالب قد لا يكون بمقدور القادة العرب ومؤسستهم القومية تحقيقها أو بعضهم غير راغب في تحقيقها، لكنها مطالب ينبغي أن تذكر وأن يتم إعلانها لأنها مطالب الجزء إلى الكل، التي لا يجوز عدم قولها بدعوى أنها لن تتحقق، أو أن هناك من يقاوم الاستجابة لها.إن ما حصل عليه السوريون بنتيجة قمة الكويت من قول مكتوب قليل، وغالباً فإن الفعل الذي سيعقبه أقل أيضاً، وإن كانت الأمنيات غير ذلك تماماً، وذلك لن يمنع السوريين عن مخاطبة محيطهم العربي، ليس لأن دولاً عربية سعت وسوف تسعى إلى تقديم دعم ومساندة كبيرين للسوريين فقط، بل لأن ذلك مبدأ في سياسة السوريين حيال المحيط الإقليمي والدولي.* عن صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية