متسارعة هي أحداث العراق وبشكل غريب، فالثوار يتقدمون بسرعة هائلة ويحققون إنجازات على الأرض تتقلب معها مواقف أمريكا وبعض الدول، لكننا وبالعودة إلى نهايات الاحتلالات الفارسية للعراق نجد أن هذه السرعة أمر متكرر.ليست هذه هي المرة الأولى التي يحتل فيها الفرس بلاد الرافدين فقد سبق لهم ذلك مرات عدة، وفي كل مرة يزول ذلك الاحتلال، فشعب العراق حي يأبى الخضوع والعيش تحت وطأة الغزاة، ولو استعرضنا نهايات بعض تلك الاحتلالات لوجدنا أنها سريعة ومفاجئة، ففي معركة ذي قار كسرت شوكة الفرس بيومين وهم في أوج عظمتهم، وبعد الإسلام فتح العراق في معركة القادسية بثلاثة أيام، وبعد ذلك بسنين طرِدَ الصفويون من العراق بحملة عسكرية.أما في التاريخ المعاصر فلنا في معركة القادسية الثانية «الحرب العراقية الإيرانية» خير شاهد، فحرب الثماني سنوات الطويلة كانت نهاياتها انتصارات ساحقة حققها العراق في أقل من أربعة أشهر، بدءاً بمعركة «رمضان مبارك» التي تحررت بها الفاو، وانتهاءً بمعركة «توكلنا على الله» الرابعة التي أعلنت بعدها إيران هزيمتها وتجرع الخميني كأس السم بقبوله قرار مجلس الأمن «598»، وكل ذلك نتيجة طبيعية فإيران باغية ولا تجنح للسلم وفق ما يقتضي الحق والعدل، وإنما وفق حسابات الخسارة فهي تنسحب إذا خسرت أو شعرت بذلك، لذا نهايات احتلالها مشابهة للمسلسلات العربية التي تلف وتدور تسع وعشرين حلقة وفي الحلقة الأخيرة تعالج كل الأمور.احتلالهم الحالي للعراق ما هو إلا حلقة في سلسلة، تميزت بالقهر والظلم والقتل والتنكيل على أسس طائفية، لذلك من الطبيعي أن يثور المظلوم بعدما أسمع صوته سلمياً سنة كاملة دون جدوى، ثورة لم تصمد أمامها المنظومة الأمنية الإيرانية في العراق وتقهقرت سريعاً، فمن يعمل فيها يعلم جيداً حجم الظلم الذي يمارسه ويعلم أن قضيته خاسرة فهرب من المواجهة وراح يحشد العالم بدعوى أنه يواجه «داعش»، وصدرت تصريحات الخارجية الأمريكية بدعمها الكامل للمالكي، ثم ما لبث أن تكشفت الأمور وتبين أن ضباطاً من الجيش السابق والثوار هم من أحرز هذا التقدم على الأرض فتغيرت مواقف أمريكا وبريطانيا والناتو وأعلنوا أنهم لن يتدخلوا عسكرياً، وأخذت إيران زمام القيادة بشكل مباشر، ولا ندري إن كانت ستفاجئ العالم بإجبار المالكي على عدم الاستقالة لتخفف الضغط؟ أم أنها ستلجأ للمواجهة بميليشياتها وتبدأ عمليات القتل على الهوية في بغداد وتقصف المحافظات المحررة؟ أياً كانت النتيجة فالوضع في العراق لن يعود كما كان، وطال الزمن أم قصر فسينتهي هذا الاحتلال ويذهب شخوصه إلى مزبلة التاريخ، كما انتهت كل احتلالات إيران السابقة.كثيراً ما تكون النهايات مشابهة للبدايات فالعراق الذي سقط بأيدي المحتلين في واحد وعشرين يوماً، من الممكن أن يتحرر بالسرعة ذاتها، عندها لا عزاء لراكبي القطار الأمريكي.