شخصياً أتطلع لأية تغييرات وزارية أو تعيينات في مناصب كبيرة باهتمام، اهتمام يشوبه أمل بأن يأتي علينا يوم نغير فيه الأسلوب في إيكال المسؤوليات لشخصيات قادرة وكفوءة على الارتقاء بالعمل الحكومي بحيث يكون قياس مدى نجاحها وفشلها مرهوناً أولاً بقبول الناس ورضاهم، وثانياً بتقليل حجم التجاوزات والمخالفات التي يرصدها ديوان الرقابة كل عام.اليوم، لا نحتاج لمسؤولين مثل بعض الذين يتعاملون مع «كرسي المسؤولية» على أنه «ملك خاص» أو «ورث» تحصلوا عليه كابراً عن كابر، بل نبحث عن مسؤولين يدركون أن منصب الوزير يعني بأن الشخص «موظف» في الدولة وأن مهمته «خدمة» الناس.طبعاً حينما تقول لمسؤول أو وزير بأنه «خادم» لقطاعه والناس المستفيدين من هذا القطاع، لربما يستاء ويمتعض من التسمية، مثل هؤلاء ظلم كبير أن يوضعوا في مناصب، إذ على امتداد عقود عانينا من «أنا متضخمة» لكثير من المسؤولين والوزراء، بعضهم يمتلك غروراً وصلفاً وتعالياً غير مقبول على الإطلاق. كبار قادة البلد يمتازون بالتواضع والنزول للناس والحديث بتجرد بلا تكلف، فلماذا يطل علينا وزير «نبتلش» فيه ويتحدث مع الناس بفوقية ويرمقهم بنظرة دونية؟!لا نريد وزيراً أو مسؤولاً بابه موصد، بل نريد تطبيقاً حقيقياً لمفهوم الأبواب المفتوحة، وحبذا لو كان التوجيه من رأس الدولة ورئيس الحكومة بأن يتم «خلع» باب كل وزير وأن يترك مكتبه مفتوحاً حتى تكون أبوابه مفتوحة فعلاً، أقلها يدخل عليه موظفوه بيسر وأقلها يصل المواطنون لكبار المسؤولين ولا يعانون من تسلق هذه «الأبراج العاجية».جلالة الملك حفظه الله ينزل بنفسه ويلتقي بالناس، ورأينا مؤخراً جولته في مواقع التخييم والمسافة التي كسرها بين رأس الدولة وعموم المواطنين، وتناقل الناس المقطع الذي يمازح فيه جلالته مواطناً بسيطاً وهو يناديه: «سليم .. وين قهوتك؟!». هذه البساطة والتواضع هل أنقصت من قدر ملك البلاد؟! لا والله بل تفاعل معها الناس وتناقلوا المقطع وعبروا عن ارتياحهم.سمو رئيس الوزراء حفظه الله أكثر مسؤول في البلد ينزل للناس ويتواصل معهم، يذهب للمجمعات يكلم الصغير والكبير، الرجال والنساء، يتحدث معهم بعفوية ويردون عليه بلا تكلف، فهل انتقص ذلك من قدره، بل على العكس، وانظروا لحب الناس الجارف له.ما الذي يمنع بعض المسؤولين من اتباع نفس السياسة، ما الذي يمنعه من التفكير بأن هذا المنصب سيذهب لغيره، وأن كرسيه ما هو إلا كرسي وقتي سيأتي غيره ليجلس عليه، وأن الإنسان لا يبقى له إلا الذكر الطيب؟!نعم نتطلع لتغييرات مؤثرة تضع الأشخاص «الصح» في أماكن هامة وحساسة، نتطلع لشخصيات كفوءة متواضعة لا تتعالى على الناس، والأهم أن تكون جديرة بهذه المواقع عبر قدرتها على تحمل المسؤولية.لسنا محرضين، لكننا نقول لكل مواطن اليوم إن صادفه موقف «غير مقبول» من مسؤول أو حتى وزير يمارس فيه «التعالي» ويغره المنصب فيتعامل بـ «سطوة»، قفوا له وذكروه بأنه «موظف في الدولة»، وأن واجبه «خدمة» الناس، من يحترم الناس يستحق الاحترام ومن لا يحترم الناس لا يستحق مكانه ولا يجب أن يبرر له أحد.نريد الخير لهذا البلد، نريد الممارسات الصحيحة، والصحيح لا يمكن له أن يتحقق إلا من خلال أشخاص عندما نرى كلامهم وأفعالهم وحراكهم نقول بكل تلقائية: هذا شخص صح.ختاماً أقول مكرراً: إن أردت أن تكشف معدن شخص ما، ضعه في منصب وعلى كرسي. وللأسف كثير منهم لو تأتي للكرسي الذي يجلسون عليه لما قال فيهم كلمة خير واحدة.