ذكرنا سابقاً أنه لا فائدة من الحوار منذ البداية في ظل وجود الأجندات المعروفة، والتي لا يمكن من خلالها الوصول إلى «تفاوض وطني» إنما هو صراع دولي ذو أطماع يتحدث عنه أناس من الداخل بالإنابة.ولكن كانت هناك فائدة مرجوة آتت أكلها ليس بسبب صبر الأطراف الأخرى على هذا «الحوار»، وإنما وصول «الوفاق» إلى قناعة بعدم القدرة على تحقيق ما تصبو إليه عن طريق هذا الحوار الوطني، فاتخذت قراراً ساذجاً أمام موقف «صغير» بالانسحاب منه.كذلك، هناك من انتقد «ائتلاف الفاتح» وممثلي الحكومة ببطء اتخاذ القرار بتعليق الحوار، حيث كان يفترض أن يتخذ هذا القرار مباشرة بعد قرار الانسحاب، ولكن على العكس قد يكون لهذا الانتظار فائدة من حيث لا يحتسب القوم.الفائدة الوحيدة التي خرجنا منها بهذا الحوار، هي إثبات أن «الوفاق» كانت مستعدة للتخلي بسهولة عن هذا الحوار ولم تكن مؤمنة به أصلاً، بل قد تكون رضخت له أمام الضغوطات الدولية، وهذه الفائدة أيضاً تتضمن أن الأطراف البحرينية كانت فاتحة أذرعها لهذا الحوار، بل صبرت على انسحاب «الوفاق» كثيراً لحين اتخاذها قرار التعليق، الأمر الذي ترك أثراً إيجابياً للقصة التي يتابعها الرأي العام الدولي، ولم تترك لهم مجالاً لممارسة الابتزاز السياسي الذي مارسته في أوقات سابقة.الآن، فلتجرِ هذه الحوارات خلف الستار كما كانت تجري سابقاً، ولتتواصل الرسائل من هنا إلى هناك، لا يهم ما لا يظهر للعلن، ولكن المهم ما هو المطلوب منا بعد تعليق الحوار على حبل الوفاق؟المطلوب هو مواصلة العمل والتعبئة بأهمية الانتخابات البرلمانية المقبلة، وأثرها على الوضع السياسي في المملكة، إن ما كسر صبر «الوفاق» على المقاطعة في 2002، إنما هو نجاح الانتخابات البرلمانية، على صعيد الانتخابات نفسها، وعلى صعيد أداء مجلس النواب في ما بعد، لذلك تغلق الأبواب ولا يبقى إلا باب البرلمان أمام الوفاق ومن معها.ولكن قد يختلف الوضع في 2014 عن 2006، «الوفاق» لا تريد أن تظهر بصورة «المنهزم» بالمشاركة كما فعلت سابقاً، فهي الآن روجت أيما ترويج لصورية النظام الديمقراطي البحريني، فكيف لها أن تعيد مشاركتها فيه؟ لهذا فهي أمام خيار صعب، أمام أن تأخذها العزة بالإثم وتواصل المقاطعة وتبقى المسيرة البحرينية السياسية تسير كما كانت تسير بدون «الوفاق» كالسابق -وهذا السيناريو الأقرب- ولكن ما سيكون جديداً هو الدفع بمرشحين مستترين يمثلون خط الوفاق «ب»، كوفاقيين بشكل غير رسمي، يطرحون ما تريده منهم «الوفاق»، يقولون ما تريده منهم «الوفاق»، وهكذا.. فيما تستمر هي بمحاولة إثبات فشل النظام في حل القضايا التي تريدها أن تكون عصا في العجلة، من الداخل عبر ممثليها غير الرسميين، ومن الخارج عبر ممثليها الرسميين.ولكن هذا السيناريو رغم وروده بقوة، إلا أنه بحاجة إلى تضحية كبيرة من «الوفاق» نفسها، أولى هذه التضحيات هي إضافة أصوات إلى العملية الانتخابية مما يساهم في إنجاحها بشكل أكبر، وستكون هناك غرفة عمليات خارج «الوفاق» ستستنزف وقتاً ومالاً وجهداً من «الوفاق» نفسها، وثاني تضحية هي أن هذا الحراك الذي تريد إثباته «الوفاق» على أرض الواقع يحتاج وقتاً طويلاً لتحقيق نتائجه، وثالث تضحية أن هذه النتائج ليس مضمونة البتة، فالتجربة أثبتت أن البحرين أقوى من الأجندات الخارجية.هذا أبعد ما تستطيع «الوفاق» الوصول إليه سياسياً، ولذلك يبقى خيار العنف مفتوحاً أمامها لاستخدامه في أية لحظة.