لا نملك إلا أن نخلع قلادة الريادة على من أدار واختار وقت منتدى حوار المنامة وتجنيد المنتدى كفصيل «استطلاع بالقوة»، فارضاً إعادة كتابة أجندة اجتماع قادة مجلس التعاون في الكويت 10-11 ديسمبر 2013. فبعد المنتدى التحقت بالكتائب التي تجرد الحملات على مجلس التعاون سرايا تراجعات جديدة. وما يقلق المراقب الخليجي أن هذه التراجعات ظهرت وكأن دول المجلس تتعرض لهجوم معاكس لدفع فاتورة نجاحاتها الماضية في الربيع العربي، في حين أن منطق الأمور يقول إن على المنتصر استثمار نجاحه للوصول لآفاق أوسع، وهذا لم يحدث.فقد ظهرت في منتدى حوار المنامة أشياء مرتبة في أرفف من التحديات، وحين التفكر بها بعمق تقيدنا أغلال الأشياء، ومن تلك؛ كلمة وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل حين قال «الدبلوماسية مع إيران يجب أن تكون مدعومة بالقدرة العسكرية»، حيث ذهبنا في تأويلها لأسباب عدة:- فهل أراد رجل الحرب الأميركي تحفيز غريزة الارتباك الخليجية في قمة الكويت بمثل هذه التطمينات ليشل روح الاعتراض على التقرب من طهران والاتفاق النووي؟- لم يكتف تشاك هيغل بعداد وحداته العسكرية بل ذهب حد ذكر الماركات كالاباتشي وإف 22 وكأنه يريد أن يسمعه صانعوها، مما يرجح فرضية أن المجمع الصناعي العسكري -المتهمين بأنهم اللوبي العربي- قد عاد له اتزانه بعد صدمة التقارب مع إيران وعدم ضرب سوريا، فقام يرد الضربة بمثل هذا الخطاب لفريق كيري عبر هيغل.- قرأت واشنطن إشارات تدل على تراخي طهران كإقامة مفاعل آخر في بوشهر فأرادت لفت نظرها.- تجدد ونجاح ضغوط اللوبي الصهيوني على واشنطن بكبح روح نشوة الانتصار لدى طهران.- أبواب الخليج مفتوحة أمام رجل الحرب الأميركي أكثر من رجل السياسة المتقلب. وهناك نفور من جو كيري وطاقمه، فالمنعرجات التي سلكها خيار التقرب لطهران محيرة للخليجيين.- أدت التحركات بين إيران والغرب إلى تشكل فراغ إقليمي «افتراضي» قد يكون لهذا الشعور تبعات سلبية كقيام بعض المغامرين من داخل المنطقة أو خارجها بالتحرك واستغلال الفراغ.التحدي الآخر المصحوب بالجلبة في منتدى حوار المنامة كان رفض عمان للاتحاد الخليجي، حيث راح يوسف بن علوي في إثخان الجراح في جسم المجلس. قابلتها ردود خليجية تصف الموقف العماني بالانقياد للحسابات الصغيرة. صحيح أن الرفض العماني ليس تصدعاً في هيكل المجلس، فقد سبق أن رفضت الإمارات الانضمام للوحدة النقدية ولم ينهر المجلس، لكن خطاب بن علوي جاء مقترناً بمنظومة علامات سلبية. والموقف العماني يضع المراقب الخليجي في حيرة، فكيف أصبح وجود مجلس التعاون في حياة المواطن الخليجي مفتقراً إلى الجدوى المدروسة؟ وإذا استعاد أحدنا مطالعاته وتذكر ما قرأه يلاحظ أموراً عدة منها:- لا يرى صانع القرار العماني تحولاً في موقف مسقط، فمقترحهم عند قيام المجلس كان يقول بتشكل حلف عسكري مرتبط بالغرب، فيما كان رأي الرياض قيام تكتل أمني سياسي، لكن مقترح الكويت أن يكون الاقتصاد هو محرك التعاون الرئيسي قد أقنع الآباء المؤسسين. فتم اعتماده رغم أن الحروب الإقليمية قد حولت المجلس إلى خندق وصبغت هيكله باللون الخاكي المبرقع لفترة طويلة.- تكثيف التعاون في المجال العسكري عاد بعد حرب تحرير الكويت بمقترح جلالة السلطان قابوس إنشاء جيش الـ 100 ألف رجل، لكن الاقتراح لم يلق الترحيب في ظل الاتفاقيات الأمنية التي كانت دول المجلس توقعها فرادى مع القوى العظمى لمدد تصل لعشر سنوات.- آمنت عمان بالبعد الاستراتيجي في قضية أمن الخليج، وهذا ما جاء على لسان بن علوي فقال «سيبقى التعامل مع التهديدات العسكرية مسؤولية غربية، لأن لديهم مصالحهم». وأضاف «لسنا على استعداد عسكري لمواجهة جيراننا».- كما أن الجغرافيا التي تثقل كاهل التاريخ العماني تقول إن الجوار الجغرافي مع إيران جعل المصلحة بعداً مقدساً في السياسة الخارجية العمانية، فلولا خط «داما فاند» الدفاعي الذي أقامه الإيرانيون لاجتاحت ثورة ظفار الماركسية في السبعينيات كل عمان.لقد رسم منتدى حوار المنامة المنعرجات التي ستسلكها قمة الكويت، فالواقع الإقليمي الجديد الإيجابي تجاه إيران وما قابله من استجابات خليجية مختلفة يتطلب قدرة عالية على إدارة الاختلافات. وقد أثبتت دعوة مسؤول إيراني لحضور المنتدى قدرة الدبلوماسية الخليجية على تجاوز قضية التقارب والمصالحة النووية، كما تجاوزت غيرها. كما إن دول الخليج مجتمعة أصبحت خلال الأعوام الثلاثة الماضية كدولة كبرى بمقاييس إقليمية، فلها يد في سوريا واليمن وليبيا ومصر. وقد لا تنجز الوحدة الخليجية في هذه القمة، فامتصاص الرفض العماني بالتريث بتأجيل الوحدة خير من مجابهة مسقط وفقدانها. نقول ذلك رغم عدم استساغتنا لقول مسؤول خليجي كبير إن الاتحاد الخليجي بند دائم على جدول أعمال القمة الخليجية. فهل يعني ذلك انضمامه لبند الجزر الإماراتية وقضية فلسطين!