الإيرانيون يحبون كرة القدم. وتعتبر كرة القدم من أكثر المصادر الوطنية للإثارة والمتعة، بيد أن الحق الواضح والمؤكد الخاص بالبرنامج النووي ومحاربة الخصم الوطني يجب أن يكون هو الشغل الشاغل للجميع وأن يكون له الأولوية حتى حينما يشاهد الأشخاص كرة القدم!ووفقاً لرجال الدين المحافظين الحاكمين في إيران، فإن العدو لا يريد الإطاحة بالنظام عن طريق الحرب والمواجهة. ومن جانبه، ليس لدى آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى لإيران، أي مخاوف من الجيوش الحديثة الأمريكية أو الإسرائيلية، ولكنه يخشى من حرية التعبير وربما الغزو الثقافي!يعتبر فرض القيود الاجتماعية وتنظيم العامة وتنفيذ عقوبات الإعدام على الأشخاص الذين يخرقون القانون (ليس هناك قانون واضح) ضد هؤلاء الذين يرتدون الملابس الغربية، جزءاً من هوية الجمهورية الإسلامية دائماً. وعلى النقيض، يمتلك كثير من الشعب أطباق القمر الصناعي في بيوتهم ويشاهدون أي شيء يتمنونه ولن يكترثوا بما يحظره النظام، في حين تكون برامج القنوات المملوكة للدولة سطحية وبسيطة ومحافظة. وبالنسبة للقنوات المحلية، يظهر دائماً رجال الدين النابغون مرتدين العمامة البيضاء أو السوداء للتحدث عن الجوانب الفنية والاجتماعية والأمور الدينية والسياسية. فمن الذي يرغب في مشاهدة مثل هذه القنوات التي يغزوها رجال الدين والمحافظون الآخرون؟! وفي ظل غياب التسلية والترفيه، صارت برامج القنوات الفضائية رائجة للغاية. وتعتبر القنوات المحلية جيدة في بعض الأحيان لمشاهدة الأخبار المحلية أو المباريات الرياضية، وعلى وجه الخصوص مباريات كرة القدم.وفي هذا الصدد، تجمع ملايين الإيرانيين منذ أسبوع مضى في مشهد نادر للغاية لمشاهدة القنوات المحلية. وكان هؤلاء الملايين يشاهدون البث المباشر لقرعة بطولة كأس العالم، غير أن شيئاً ما حدث في الدقائق الحاسمة من مراسم سحب القرعة، مما سبب الإزعاج للمشاهدين، حيث انقطع إرسال البرنامج قبيل سحب القرعة. وأصيب الإيرانيون الغاضبون، الذين كانوا ينصتون بأسماعهم ويراقبون بأبصارهم تلك القرعة وكأن على رؤوسهم الطير لمعرفة المجموعة التي ستقع فيها إيران في بطولة كأس العالم، بالصدمة عندما توقف الإرسال. ولم يستطع الإيرانيون فهم ما حدث وكان كل ما عرفوه هو أن فرناندا ليما، مقدمة العرض، ظهرت على ما يبدو بمظهر شديد الإثارة في البرنامج! وقال عادل فردوسي بور، مذيع البرامج الرياضية في إحدى القنوات المحلية الإيرانية: «لكي أكون صادقاً معكم، فإن الفستان الذي ارتدته السيدة التي قدمت العرض لا يتماشى مع التوجيهات الإرشادية الخاصة ببث برامجنا على الإطلاق».كان ذلك الأمر كافياً لآلاف الإيرانيين الغاضبين بأن يفتحوا أجهزة الكومبيوتر ويدخلوا على الإنترنت ليصلوا إلى صفحة ليما على موقع الـ «فيس بوك» ونشر رسائل شتائم وسباب لا يمكن تصورها، بالإضافة إلى إلقاء اللوم على ليما بسبب ما سموه «حرمانهم من مشاهدة البث المباشر لقرعة كأس العالم».وفي غضون ساعات، أمطر الإيرانيون صفحتها على الـ «فيس بوك» بوابل من تلك الرسائل الغاضبة. وكتبت بعض من هذه الرسائل باللغة الفارسية مثل «هل كنت ستموتين لو كنت ترتدين فستاناً محتشماً حتى يتسنى لنا مشاهدة مراسم القرعة؟».وقد استغرق الإيرانيون من يومين إلى ثلاثة أيام من أجل إيجاد مقاطع الفيديو على موقع «يوتيوب» أو الشبكات الاجتماعية الأخرى لاكتشاف ما كانت ليما ترتديه في تلك الليلة. وبعد ذلك، بدأت الأحاديث بشأن مظهرها والخاتم الذي كانت ترتديه وقوامها ولون شعرها، وما إلى ذلك.وفي المقابل، أرسل كثير من الأشخاص رسائل اعتذار إليها بالنيابة عن الآخرين الذين وجهوا إليها السباب. قد تكون ليما من أكثر الأشخاص المعروفين جداً في جميع البيوت في إيران. ولقد تحول الموقف تجاه الرقابة التي يفرضها النظام، حيث كانت هناك ردود فعل معارضة بشكل كامل لتلك الرقابة بسبب حرمان الشعب من مشاهدة البث المباشر للقرعة منذ أيام قليلة.وربما أن المشاهدين المهتمين بقرعة كأس العالم ما كانوا ليهتموا بما ترتديه ليما في حال استمرار البث المباشر على الهواء، مثلما عليه الحال من الاهتمام في الوقت الحالي. إن هذا الحدث يجعل ليما مشهورة للغاية في إيران لتصبح واحدة من أكثر المواضيع الساخنة المشهورة التي تجرى مناقشتها هناك.ومن الواضح أن أكثر الأمور التي يخشاها النظام باتت تمثل خطراً حقيقياً على جمهورية إيران الإسلامية، بصرف النظر عن مدى صعوبة فرض الرقابة وبقاء الحدود مغلقة.ومن أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي متمسكاً بعدم فتح باب إيران أمام الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، هو خوفه من الغزو الثقافي. وعلى النقيض مما سببه الربيع العربي -التقارب الشديد نحو الغرب- فمن الممكن أن تؤدي القيود الدينية الكثيرة للغاية المفروضة في إيران إلى إحداث ثورة ثقافية. وليس من الضروري حدوث مثل هذا النوع من الثورات مع تغيير النظام، بل سيؤدي ذلك الأمر إلى إحداث التغييرات ببطء وفعالية من دون شن حرب أو احتلال. وبالنسبة للذين لديهم مخاوف بشأن مثل هذا النوع من الثورات، نقول لهم إن ليما صارت أكثر إثارة للخوف من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في إيران!- عن صحيفة «الشرق الاوسط»