بعيداً عن وجعنا اليومي وعن همومنا التي تقصر العمر، والتي سببها من يخون الوطن ومن لا يطبق القانون، وسببها أيضاً أن الدولة لا تطبق القانون على المفسدين، فحين تمشي في بعض شوارعها تقول البلد جميلة، لكن تحت السطح يطل عليك أكثر شيء يشوه البلدان اليوم، وهو الإرهاب والفساد، وينخر في الكثير من مؤسسات الدولة.فاتني في عمود يوم أمس والعمود الذي قبله أن أستدرك لأقول إن أي مسؤول شريف يعمل بإخلاص ويخاف ربه ولا يأكل الحرام، ويطبق القانون على موظفيه حتى لا يحدث فساد، فإن كلامنا لا يعنيه أبداً، بل نشد على أيادي الرجال والنساء المخلصين لوطنهم والذين لا يطعمون أبناءهم أموالاً حراماً.الأيادي النظيفة لا نعنيها إطلاقاً، ولا نضعها في ذات الكفة مع البقية التي قصدها العمودان، لذلك وجب الاستدراك.وددت اليوم أن أكسر رتم الكتابة عن الهموم وأوجاعنا اليومية، وأنا أفعل ذلك بين حين وآخر، اليوم سأستعرض معكم تجربة رجل بحريني كان يعاني من ضيق ذات اليد بعد أن خرج في تقاعد مبكر، لكنه لم يقف مكتوفاً ولم يمد يده لأحد أبداً.يقول الرجل: «أردت الخروج للتقاعد المبكر، ولا أريد أن أسرد الأسباب، لكني بعد أن خرجت للتقاعد وجدت أن الراتب التقاعدي لم يعد يكفي، وعانيت من النقص الذي حصل براتبي، قياساً براتبي الأساسي قبل التقاعد.لكني منذ فترة طويلة وأنا أحب عمل التحف إذا اتسع لي الوقت، لم أكن محترفاً، لكني أجرب نفسي، أنجح في بعض الأحيان وأفشل في أخرى، كان ذلك أيام الوظيفة.بعد التقاعد المبكر وبعد أن زادت علي متطلبات الحياة، وشعرت أني أقصر في حق الأبناء ولا أستطيع أن ألبي متطلباتهم في التعليم وغير ذلك، قلت في نفسي ما العمل؟لماذا أجلس هكذا أندب حظي، يردف الرجل قائلاً: ذهبت إلى أماكن كثيرة أبحث فيها عن حجارة، ذهبت للبر، وجمعت بعض الحجارة التي وجدت أن بإمكاني أن أعمل منها شيئاً، خاصة إذا ما أضفت إليها بعض الإضافات والألوان لتصبح تحفاً فنية جميلة.ذهبت إلى البيت وجلست أعمل منها تحفاً وأشكالاً، وبعد فترة عرضتها على من يحب اقتناء هذه التحف ليضعها في بيته، لكني فوجئت حين عرضتها على إحدى السيدات، التي أعجبت بالتحفة وطلبت اقتناء التحفة، فقلت لها كم تدفعين لها؟ قالت: تقبل بـ 80 ديناراً..؟قال: نعم أقبل، فدفعت السيدة المبلغ واقتنت التحفة.يقول الرجل.. قلت في نفسي، لو قلتي 20 ديناراً لبعتك إياها، فلم تكلفني أكثر من 10 دنانير.باختصار شديد، يقول الرجل وجدت أن هذا العمل مربح، لكن فيه بعض التعب قليلاً ويحتاج إلى صبر، إلا أني ربحت فيه قيمة ممتازة، ثم أخذ هذا الرجل يستمر في عمله، يبحث عن الحجارة التي يرى أن بالإمكان أن تعطي شكلاً جمالياً، ومن ثم يأخذها وينحتها، ويعمل لها الإضافات والألوان ويبيعها.يقول الرجل أصبح لدي دخل لم أكن أتوقعه، صارت المهنة تعينني كثيراً على تلبية احتياجاتي، فحمدت ربي على توفيقه، ثم أخذت أطور عملي وأشتري أدوات وتقنيات تساعدني على إعطاء أشكال جميلة وتسرع من عملي.بعدها افتتحت محلاً صغيراً، وأخذت أعمل وأبيع وأصبح الزبائن يأتوني إلى المحل، حتى جاء رجل وعرض علي أن أعمل معه في شراكة، وأن نفتتح مصنعاً صغيراً للألمنيوم، وأجعل عمل التحف مستمراً، وأضع خبرتي في عمل مصنع للألمنيوم، فوافقت.بدأت أتوسع، وبدأ المصنع الصغير يحقق إيرادات جيدة، اقترح علي أحد الأخوة أن أذهب إلى «تمكين» من أجل أن تساعدني في شراء المعدات والأجهزة الحديثة، فذهبت والحمد لله منحوني في تمكين المساعدة اللازمة لشراء الأجهزة.كبر المصنع، يقول الرجل سبحان الله، فقد فتح الله علي أبواب الخير من حيث لا أعلم، فقد جاء صديق كان يملك مصنعاً للألمنيوم متوسطاً، فقال لي هل تريد أجهزة ومعدات لتطوير عملك فقلت له نعم أحتاج، فقال اذهب إلى المصنع وخذ ما تريد، بيد أن الصديق قرر إغلاق مصنعه وأرادني أن أستفيد من المعدات.كل ما حدث لي كان بتوفيق من الله، وحين قررت أن أعمل ولا أجلس في البيت، الآن لدي مصنع محترم للألمنيوم، والحمد لله أصبح لدي دخل ممتاز، أغناني عن راتب التقاعد، وأصبحت لا أكترث لراتب التقاعد نزل أم لم ينزل».يقول الرجل: «بدأت من رحلة لجمع الحجارة فيما تبقى من أراضي الصخير، وصعدت بفضل الله خطوة خطوة بتوفيق الله إلى أن أصبحت اليوم في وضع ممتاز والحمد لله».انتهى حديث الرجل، والآن أنا أضع تجربة هذا الرجل أمام الجميع، الشباب والشابات، المتقاعدين والمتقاعدات، فمن لديه موهبة، أو لديه خبرة وتجربة، عليه أن يستثمرها، البداية بفكرة، ومن ثم وضع خطوة التنفيذ، وطرق التمويل.هذا الرجل بدأ بجمع حجارة يمكن عمل منها تحف، واليوم هو رجال أعمال يملك مصنعاً، بينما هناك اليوم عدة جهات تمول الشباب والشابات والمتقاعدين، بنك البحرين للتنمية، وتمكين.هناك تجارب كثيرة مشرفة لشابات وشباب بحرينيين مثل تجربة هذا الرجل، العمل والتوكل على الله، وطلب الرزق وعدم الجلوس في البيت وطلب المساعدة من الآخرين.