«1»حتى ساعات الفجر الأولى تبقى مستيقظة تتورم عيناها من البكاء والألم حزناً وقهراً بعد توارد أنباء حصول تفجير في منطقة ما وسقوط قتلى وجرحى من رجال الأمن، يصيبها نوع من الهلع أن يكون اسم ابنها ضمن أحد هؤلاء الشهداء والجرحى، ولأنها تشعر بما تشعر به أمهات من رحلوا فداءً للوطن كونها بشكل أو بآخر في نفس موقفهم ومكانهم تروح في نوبة حزن وبكاء، تسأل الله أن يلطف بحال عائلاتهم ويثبتهم، خاصة وهي تتخيل أنه من المحتمل أن يصيبها يوماً ما أصابهم.طيلة اليوم مشغولة بمتابعة الأخبار والمستجدات على الساحة البحرينية، طيلة ثلاث سنوات مضت تعيش في دوامة القلق والأرق والحيرة وبالها مشغول مع الأخبار وحال ابنها فلذة كبدها الذي يعمل في سلك الأمن والذي تغير نظام حياته بالكامل، لا شيء يهدئ من روعها ودوامة الأفكار التي تلعب برأسها سوى أن ابنها يقوم بما أمر به ديننا الحنيف في الدفاع عن الوطن وحفظ دماء المسلمين وتأمين حمايتهم واحتسابها عند الله أن يكتب لها أجر الصبر والإيمان بقضائه وقدره.فلله در هذه الأم -أم رجال الأمن- التي يعد مقامها كبيراً ومشرفاً في هذه الأمة العربية الإسلامية كونها أوجدت ابناً يخدم وطنه وغرست فيه مفاهيم الولاء والوطنية، وكونها تحمل شرف حسن تربيته، فهي من أوجدت ابناً باراً بوطنه يرسم ملامح مستقبله ويحفظ أمنه مقابل أمهات كثيرات في دول العالم لم يكن على قدر المسؤولية ويمتلكن قيم الأمومة الصالحة، وكن السبب في انحراف الأبناء وضياع مستقبلهم وعدم تسلحهم بأهم القيم والمبادئ الوطنية والمجتمعية.«2»جالسة في عزاء ابنها، الذي استشهد جراء تفجير غادر، ساهمة في عالم آخر وقد رسمت الدموع المتدفقة من عيناها عنواناً للحزن، تتذكر هيئته وآخر إطلالة له وهو يتناول الفطور على عجل ويودعها متوجهاً إلى عمله، تذكرت أنها في صباح يوم رحيله لم تجالسه طويلاً فقد انشغلت عنه فيروح الصوت الذي بداخلها يقول «لو كنت أعلم أنها آخر مرة كنت سأراه فيها لما تركته!».في أحد أركان المنزل الذي خلا من وجوده تتخذ زاوية للحزن وهي جالسة تستقبل من يقدم العزاء لها؛ عزاء على ابن استشهد وهو في مقتبل العمر، وابنته الصغيرة تنام في إحدى الغرف بالقرب منها على السرير قبعته العسكرية، وكأنها قد قررت أن تتمسك بقبعته العسكرية تعويضاً عنه، قدماها تؤلمها ويبدو أنها قررت أن تشاركها حزنها وقهرها، تتجنب ما يرد على الهاتف وسماع ما يكتب عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، من حولها لا يودون أخبارها بأن هناك من يوزع الحلوى تهنئة لبعضهم بعضاً في دماء ابنها، مع نهاية اليوم تتساءل مع إحداهن ممن حضرن لتعزيتها: «هل سيرجع حق ابني؟ هل الدولة ستنفذ الإعدام بحق قتلته؟»، هي تدرك قبل طرح هذا السؤال أنها قد لا تحصل على الجواب أصلاً لكنها «أم» والله وحده العالم بما يحمله هذا القلب.فلله درها.. «أم الشهيد» الصابرة على جزع الفقد بالإيمان بقضاء الله وقدره وبحسن خاتمة ابنها في أن يكرم بمرتبة الشهداء الصالحين. «3»تبدو مشغولة أكثر بالهاتف من عملها الذي تنجزه على الكمبيوتر في العمل، تطالع الهاتف باستمرار بعد أن ربطت بأحد البرامج هاتفه الذي يظهر مكان تواجد زوجها وموقعه، بالها منذ ثلاث سنوات ليس معها، ضغوطات الحياة وأعباؤها ازدادت عليها بعد أن وجدت نفسها تتخذ دور الأم والأب في نفس الوقت، حتى حياتها الزوجية تبدو متأثرة؛ فزوجها دائم الإرهاق والتوتر ولم يعد كما السابق، وذلك أمر خارج إرادته وهي تدرك ذلك متفهمة وصابرة، وهي تتابع تدريس ابنها الصغير الذي يسألها عن معنى مصطلحات طائفية سمعها في المدرسة ولا يفقهها، تدرك أن دورها أكبر في غرس مفاهيم الوطنية وتعليمه معنى الولاء للوطن والقيادة واحترام رموزه، تستوعب أن الوضع العام بالدولة يحملها مسؤولية وطنية مهمة هذه الفترة، كما تستوعب أنها تؤدي أكثر من دور في حياتها أهمها دور الأم والأب وتعويض ما ينقص ابنها نتيجة انشغال الأب.فلله درها «زوجة رجل الأمن» التي تؤدي دوراً لا يقل أهمية عن زوجها، دوراً مكملاً ومسانداً لجهود زوجها رجل الأمن.«4»كلما خرج ليلعب في الشارع في منطقتهم المتأزمة أمنياً انتابها القلق وسيطرت عليها وساوس التفكير، ابنها الصغير الذي من الممكن في أي لحظة أن يقويه شياطين الإرهاب بالأموال والعطايا وتتطاوله خلايا المجرمين والقتلة ليلتقط مولوتوفاتهم ويرميها على رجال الأمن، أو يدس قنابلهم في أماكن تواجد رجال الأمن، صوتها الذي يكممونه بديكتاتورية التهديد والتعرض لها ولأسرتها في حال إن كانت الصوت المختلف عما يقومون به في منطقتها.بينها وبين نفسها هي تدرك أن ابنها سيكون مجرد سلم لوصول من أبعدوا أبناءهم عن ساحات الإرهاب ومسيلات الدموع ونيران المولوتوف بأرقى المدارس والجامعات في الخارج، وأن دمه وروحه البريئة من المحتمل أن تدفع يوماً وتروح في سبيل تحقيق أجندة خارجية وحصد مكاسب لا تطال منها شيئاً، لذا هي مستمرة في إبراز صوتها المختلف عنهم، فتقدم النصائح لابنها بعدم الاستماع لهم وطاعة ما يقومون به في التصادم مع زوجها وأهالي منطقتها من المؤيدين لهم، مستذكرة دائماً أن دماء ابنها لو راحت فلا شيء يعوضها، وأن مستقبله لا يجب أن يتاجر به هؤلاء، فهم يستغلونهم لأجل مصالحهم الخاصة.فلله درها «أم الصوت المختلف» التي لاتزال مستمرة في محاولات حفظ ابنها من عصابات الإرهاب وإيقاظ عقولهم من سبات الغفلة.إحساس عابر «1»..الاحتفاء بالأم بات لغة عالمية حتى وإن فسرت في مفهوم دولنا الإسلامية أنها «بدعة» ركوب موجة الاحتفاء، فمن الممكن استغلاله في خدمة قضايانا كأمة عربية إسلامية كحدث عالمي يستقطب أنظار العالم واهتمام وسائل الإعلام بتغطيته من خلال إبراز ثقافة دعم أمهات الشهداء، مسيرة «صرخة وطن» الثانية المنظمة اليوم الجمعة في ممشى الرفاع فيوز في تمام الساعة الثالثة والنصف عصراً هي أحد الأبواب التي وجب استغلالها، فيوم الأم العالمي في البحرين يختلف، الرأي العام لدينا متحد نحو الاحتفاء بأم الشهيد وتكريمها وتسجيل الموقف المتضامن معها بالحضور والتحشيد.إحساس عابر «2»..لسنا بحاجة ليوم الأم العالمي كي نحب أمهاتنا فيه، لكننا بحاجة لأن نتذكرها فيه ونجدد مشاعر البر بها وحبها فيه، يوم الأم العالمي بات كالمنبه السنوي الذي يوقظنا على مشاعر حب جنة الدنيا وواحة الحنان لدينا «الأم»، ولأيتام الأم نقول؛ عوضوا فقدكم لأمهاتكم بالبر بأهلها وصديقاتها ومن كانت تحبهن وتواصلوا معهن حتى يذكروهن بدعاء ويعشن بينكم حاضرات ولا تتوقفوا عند حزن تذكرهن بل تجاوزوه بالعمل الصالح لأجلهن وتجديد البر بهن بالدعاء والصدقة بعد رحيلهن ومساعدة أمهات الآخرين والبر بهن، فما أخذ الله إلا ليعطي، وأنتم من أكثر الناس الذين منحكم الله نعمة الإحساس بقيمة الأم ومعرفة كيفية تقدير نعمة وجودها وبرها بالأعمال الصالحة.
Opinion
نماذج واقعية للأم المثالية في البحرين
21 مارس 2014