بمناسبة قرب مناقشة تقرير حقوق الإنسان في جنيف أذكر السلطات في الدولة بمسؤوليتها في معالجة الضرر الذي وقع على اسم ومكانة البحرين، وما لهذه المسؤولية من أهمية، لا تتسق مع ما قامت به السلطة التشريعية من قطع لجولة الوفد البرلماني البحريني للاتحاد الأوروبي والخاصة بالتواصل مع الدول التي تصوت عادة ضدنا، والعودة للبحرين فقط من أجل اكتمال النصاب المطلوب للتصويت على إحالة استجواب وزير المالية للجنة الإفتاء!! أذكرهم بالمقارنة بين هذا الأداء المتخبط والذي يتسم باللامبالاة مع الكيفية التي تعمل بها مجموعة «الخونة» التي تجوب العواصم الدولية وتسكنها، بميزانية مفتوحة وباستراتيجية مدروسة من أجل إصدار بيانات الإدانة ضد مملكة البحرين من جنيف أومن الاتحاد الأوروبي، سأستعرض لكم نموذجاً صغيراً للكيفية التي تظهر بها بيانات الإدانة للبحرين من منظمات واتحادات أوروبية للمقارنة مع أداء سلطاتنا ومؤسساتنا المدنية الوطنية.دون سابق إنذار تجد أكثر من صحيفة ووسيلة إعلامية و بيان من منظمات دولية تركز على البحرين لفترة زمنية ثم تغيب البحرين عن الصورة، كيف ولماذا؟ هذا هو الجواب. حملة مايو 2013 ... نموذجاًبدأت الحملة بتدشين مجموعة أطلقت على نفسها اسم: «رابطة الصحافة البحرينية» -لا يزيد عددها عن عشرة أشخاص- في العاصمة البريطانية الحملة بإعلانها في مؤتمر صحفي إصدار «تقرير» بعنوان: «البحرين: الصمت جريمة حرب» في أوائل مايو 2013.- 7 مايو عقدت مجموعة صغيرة أخرى أطلقت على نفسها اسم: «منتدى البحرين لحقوق الإنسان» في بيروت مؤتمراً صحافياً أعلنت فيه عن شن حملة دولية تحت عنوان: «البحرين عاصمة التعذيب». - من 8 إلى 16 مايو أعلنت جمعية الوفاق في المنامة عن حملة تحمل العنوان نفسه.- وفي الفترة من 6-13 مايو نظم «المرصد البحريني لحقوق الإنسان» زيارة لواشنطن بوفد يضم: ممثلين لجمعية «وعد»، و«جمعية الشفافية» و»جمعية الوفاق» التقت هذه المجموعة الصغيرة بمسؤولين بالخارجية الأمريكية، ومساعدين لأعضاء مجلسي النواب والشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وبعض المنظمات المجتمعية والمؤسسات العلمية وعلى رأسها جامعة جورج واشنطن.- 20 مايو شكل «المرصد» وفداً آخر إلى العاصمة الفرنسية باريس برئاسة رجل دين شيعي قابل وكيل وزارة الخارجية الفرنسية لشؤون الشرق الأوسط، ومجموعة من أعضاء الحزب الاشتراكي الحاكم في المجلس الوطني، وقيادات من الحزب الشيوعي، والحزب الأخضر.- وتزامن ذلك مع أنشطة جماهيرية وفعاليات إعلامية وتصريحات نارية أطلقها ملالي في العراق وإيران عبر قنوات التحريض الطائفي ومواقع التواصل الاجتماعي طوال شهر مايو من ذلك العام.نلاحظ أولاً الامتداد الجغرافي للحملة فأرجل الأخطبوط الشبكي تتحرك في لندن وباريس ونيويورك وبيروت وبغداد والمنامة بمجموعات صغيرة تم تسكينها في تلك العواصم للقيام بمثل هذه الحملات كل بضعة شهور، تتحرك هذه المجموعات الصغيرة بتزامن وقتي وتحمل (ثييم) معين، ولفترة محدودة، مؤتمرات صحفية في أكثر من عاصمة.أما بالنسبة للتمويل والترويج والدعم الذي حظيت به هذه الحملة؛ فقد كان مصدره بعض الجهات الرسمية الأمريكية والبريطانية والمنظمات الدولية:- قامت «منظمة «مراسلون بلا حدود» بتوفير المظلة الجامعة لأنشطة أعضاء رابطة الصحافة البحرينية المعارضة في لندن.- تكفلت منظمة (National Endowment for Democracy) الأمريكية بدفع مصاريف الحملة، حيث قدمت لرابطة الصحفيين المعارضين مبلغ 77 ألف دولار من أجل إصدار تقرير: «البحرين: الصمت جريمة حرب»، وذلك نقلاً عن الموقع الرسمي للمنظمة.- في الفترة ذاتها حظيت تلك المجموعة بتمويل سخي من منظمة (National Democratic Institute) التي كشفت عن تقديم مبلغ 30 ألف دولار قدمتها المنظمة لتدريب: «مدافعين عن حقوق الإنسان» في البحرين دون ذكر أسمائهم أو طبيعة البرامج التي تم تنفيذها، في حين ذهب النصيب الأكبر من تمويل هذه المنظمة إلى «جمعية الشفافية» التي تلقى رئيسها قبل فترة وجيزة 50 ألف دولار (جدير بالذكر أن منظمة (NDI) كشفت أنها قدمت لما أسمته: «برامج التحول في البحرين» في سنة واحدة فقط (أي في عام 2012) مبلغ 320 ألف دولار نظير أنشطة لم تعلن عن تفاصيلها).- أما الجزء الأكبر من التمويل فقد ذهب إلى جمعية الوفاق وأعضاء المجلس العلمائي وعلى رأسهم ميثم السلمان الذي حظي باهتمام رسمي في جولته بفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية - ومن جانبها تولت منظمة USAID مهمة الترويج والدعم اللوجستي، حيث رتب لهذه اللقاءات شركة (Fenton Communications) للعلاقات العامة، وهذه الشركة هي التي تمثل مصالح منظمة USAID، وفي الوقت ذاته تتولى الترويج « لمركز البحرين لحقوق الإنسان»، وذلك عبر نفوذها الواسع في الصحف والإذاعات والفضائيات الأمريكية، مما يفسر الانتشار الواسع للدعاية التي كان يبثها أفراد بحرينيون تم صناعة بطولاتهم في الإعلام الأمريكي والبريطاني في حين أن دعوة أي منهم لأي تجمع في البحرين لم تكن تسفر عن عشرة أفراد من أمثال نبيل رجب وآل الخواجة في الأروقة الأمريكية، ومن المثير للاهتمام أن شركة (Fenton) التي تمثل منظمة USAID ومركز الخواجة، تمثل في الوقت ذاته «مجلس العلاقات الأمريكية-الإيرانية» (National Iranian American Council) الذي ينشط من خلاله اللوبي الإيراني في أمريكا.لم تقف الكلفة العالية عائقاً أمام تسكين هذه المجموعات الصغيرة في عواصم أوروبية (جنيف لندن باريس بروكسل نيويورك)،أو تحول دون تنقل المجموعات الأخرى من البحرين إلى تلك العواصم ولمدد زمنية تفوق العشرة أيام في كل مرة. (من بحث قدم لمركز أبو ظبي للدراسات والبحوث بعنوان «جماعات التطرف الديني .. حرب الشبكات .. البحرين نموذجاً» من إعداد د. بشير زين العابدين سوسن الشاعر)هكذا تستطيع مجموعات صغيرة استصدار بيانات الإدانة ضد البحرين، ليس لأن وضع البحرين الحقوقي سيئ أبداً، إنما لعبة «الحملات» المتزامنة مع مواقيت خاصة باتفاقيات، أوزيارات أومناقشات، لعبة أتقنتها المجموعة وما زالت تجهلها السلطات والمؤسسات الأهلية في البحرين. البحرين بسلطاتها بما فيها السلطة التشريعية مشغولة فيما هو أهم، وتصرف على ما تراه أهم، وتنشغل بما تراه أهم، كمنع استجواب وزير المالية، في حين تنشغل المجموعة بالحملات المدفوعة الثمن.كلما اقترب موعد لزيارة، لمناقشة تقرير تابعوا حراك هذه المجموعة أولاً في العواصم الأوروبية، ثم تابعوا وسائل الإعلام الأوروبية، وحين تنتهي الزيارة أو موعد المناقشة تختفي الحملات وتدخل بياتها الشتوي وتختفي البحرين من خارطتها.