حين يجن مجتمع من المجتمعات بحمى السياسة حتى يصير كل فرد فيه سياسياً محترفاً بالقوة، وحين ينجرف هذا المجتمع في محرقة السياسة القذرة فلا يستطيع في نهاية المخاض أن يكون كل أفراده من الساسة المحترمين، لأنه لم يعرف قواعد اللعبة السياسية، ولأنه باختصار زجَّ بكل أفراده في أتونها المظلم.ليلة الخميس الفائت كانت هنالك مباراة في منطقة بعيدة عن الأوسط وعن الخليج تحديداً، مباراة أجلست الناس في بيوتهم وعطلت كل الأعمال وألغت كل المواعيد المهمة وغير المهمة، وكادت شوارع البحرين تخلو من المارة ومن كل السيارات، فالحدث كان مباراة كأس ملك إسبانيا بين الغريمين التقليديين؛ ريال مدريد وبرشلونة.في تلك الليلة كنت أسير لوحدي مع بعض السيارات المسرعة التي يريد أصحابها أن يدركوا ولو قليلاً من وقائع تلكم المباراة المهمة، حينها أدركت أن الرياضة تصنع المعجزات، وأنها تستطيع أن تكون شاغلة الدنيا وليس شاغلة البحرينيين فقط.حين يفشل السياسي وحتى الاجتماعي في إشغال الناس بأمور أكثر أهمية من اشتغالهم بالسياسة ستكون الرياضة رافداً مهماً في الانتصار لهذا الواقع ولعموم الإنسان، فالرياضة توحد المجتمعات وتقربهم نحو بعض بصورة فيها الكثير من المحبة والسلام، وتعطيهم دروساً عظيمة في الإنسانية والمشتركات الأخلاقية، وتخلق أمامهم فرصاً حقيقية للتحدي وإخراج المدفون من المواهب، كما تعطيهم جرعات من المتعة الخلاقة حين يندمجون في عالم الرياضة وفي كل الألعاب.في مجتمعنا هنالك فرز طائفي واضح بين مكوناته، كما هنالك حدود عنصرية وإثنية تكونت بين أبنائه خلقتها السياسة ورجالاتها. في مجتمعنا السياسي والديني هنالك عداء محكم بين فئاته وطبقاته، أما حين نذهب للمقاهي الشعبية ولتجمعات الرياضيين فإننا نشعر بالأمن بينهم أكثر من أية بيئة أخرى، لأننا نجد أن الرياضة تذيب كل الفوارق التي تصنعها السياسة.في المقاهي الرياضية، ليلة الكلاسيكو، يسعد المدريديون بكل انتماءاتهم المذهبية حين يسجل لاعب الريال هدفا في مرمى خصمهم العنيد برشلونه، وكذلك الحال بالنسبة لعشاق البارسا. وقتها لا مجال لأي كدر آخر سوى الفرحة والعناق، وهذه من أبرز ملامح ومنتجات الرياضة النظيفة.في البحرين، على الرياضيين أن يستفيدوا من فصل الرياضة عن السياسة بالمطلق، وأن يتعلموا قواعد اللعبة الرياضية وسحرها الذي يخرج الناس من ظلمات السياسة إلى نور الرياضة، وحين يتدربوا على كيفية توحيد القلوب وتأليفها نطالبهم أن يعقدوا ندوات ومؤتمرات تثقيفية لكل السياسيين يعلموهم من خلالها أن استقرار المجتمعات البشرية لا تكون إلا عبر الرياضة وأخواتها.إذا كانت مباراة واحدة في أوروبا تستطيع تأليف قلوب من هم في المنامة، كما هو الحال مع كل من يقطن هذا الكوكب، فإن رياضتنا تستطيع أن تفعل أكثر من ذلك لو وجدت من يهتم بها ويتبناها ويدعو إليها ويعمل على تفعيلها، إنها الدواء لكل أدوائنا المجتمعية المعاصرة، فشكراً لريال مدريد وشكراً لبرشلونة، فقد أنسيتمونا تلك الليلة الكثير من أضغاننا وفي انتظار كلاسيكو آخر.
Opinion
ما لكم إلا الرياضة
19 أبريل 2014