كما تحدثنا مراراً فإن الحقيقة تثبت أن المجتمع ليس أمام أزمة تتعلق بتطبيق القانون، مقابل ما هو سائد كواقع بين الرأي العام أن هناك أزمة في تطبيق القانون. فالفرق كبير بين الحقيقة والواقع، ويمكن تبسيط هذين المفهومين، بصورة نمطية سائدة وهي أن البحرينيين أكثر شعوب العالم تردياً في الأوضاع المعيشية، هذه الصورة هي تمثل واقعاً سائداً اليوم، ولكن الحقيقة تثبت خلاف ذلك تماماً إذا تم التحقق من الأوضاع، هناك درجة مقبولة وجيدة جداً للأوضاع المعيشية، وإن كانت هناك استثناءات أو اختلفنا مع هذا الرأي. بالتالي فإن الإشكالية هنا مشكلة في المفاهيم بالدرجة الأولى، فالاعتقاد السائد بأن القانون غير مطبق هو واقع وليس حقيقة، والحقيقة أن هناك تطبيقاً للقانون، وإلا ما كانت النتيجة إحالة 150 قضية يومياً «أكثر من 6 قضايا كل ساعة» من وزارة الداخلية إلى النيابة العامة، تشمل قضايا الشغب والتخريب والتجاوزات في فعاليات الجمعيات السياسية. وزارة الداخلية كشفت في أحدث إحصائياتها عن إحالة 16489 قضية إلى النيابة العامة، وهو بلاشك رقم كبير ولافت، ولكنه يعكس مدى تطبيق القانون في الدولة. مشكلة تطبيق القانون اليوم تتعلق ببعدين:البعد الأول: يتعلق بالمطالب الشعبية الخاصة، وهي مطالب تختزل تطبيق القانون في إغلاق بعض الجمعيات السياسية، وطرد كافة الشخصيات الدينية والسياسية من البلاد بعد إسقاط جنسيتها البحرينية. تطبيق القانون بناءً على المطالب الشعبية ليس منطقياً، لأن يقوم على فرضية «رغبة الجمهور»، ولا يمكن أن تكون مثل هذه الرغبات سبباً ودافعاً لتطبيق القانون بناءً على الرغبات، لأنه مدخل من مداخل الفوضى. بل يجب أن تكون هناك مسببات كافية لتطبيقه وتنفيذ العقوبات، أما التقديرات المتعلقة بروح القانون التي يمكن أن ترتبط بمصالح أكبر من النص القانوني، فإن تفسيراتها ومداخلها مختلفة هنا. البعد الثاني: يتعلق بمن المسؤول عن إنفاذ وتطبيق القانون، فالخلط هنا دائماً ما تقع فيه الكثير من الشبهات، إذ يتم إلقاء التهم جزافاً دون إدراك بما يجب أن يكون. فدائماً ما تتهم وزارة الداخلية مثلاً بـ«التلكؤ في تطبيق القانون وهي مقصرة فيه»، ولذلك فإن الرأي العام يرى في هذه الوزارة أنها المسؤول الأول والوحيد في تطبيق القانون، في الوقت الذي تعد هي جهة تنفيذية وجزء من الحكومة مهمتها بسط الأمن والحفاظ على الاستقرار. ونادراً ما نجد من يتحدث عن النيابة العامة والقضاء التي تملك الصلاحيات الدستورية والقانونية لإنفاذ القانون، ولديها الصلاحيات لمعاقبة كل من يخالف القانون بعد التحقيق معه حسب الاشتراطات القانونية المنصوص عليها. نظام الملكية الدستورية في البحرين يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات والاستقلالية فيما بينها، ولذلك لا يمكن بأي شكل من الأشكال الخلط بين تنفيذ السلطة التنفيذية «الحكومة» للقانون، وبين إجبارها على تنفيذ القانون الذي تتولى مهامه السلطة القضائية «النيابة العامة والمحاكم»، وبين مطالبات السلطة التشريعية «البرلمان» تطبيق القانون. الفروقات هنا كبيرة وجوهرية، وأعتقد أن الرأي العام البحريني بحاجة ماسة لحملة توعية بهذا الشأن يمكن أن يتولاها معهد البحرين للتنمية السياسية. أكثر من 13 عاماً مضت على الديمقراطية البحرينية، ومازال المواطن غير مدرك الفرق بين السلطات الثلاث، ليس المواطن فحسب بل الجمعيات السياسية وكوادرها التي تطالب بالإفراج عن المتورطين في قضايا الإرهاب، وفي نفس الوقت تطالب بالدولة المدنية التي فيها يحترم القانون، ويحترم نظام الفصل بين السلطات.
Opinion
16 ألف قضية ولا تطبيق للقانون!
22 أبريل 2014