لقد مرت ثلاث سنوات على ثورة 25 يناير 2011 والتي واجهت ثلاثة تحديات بالغة الخطورة أولها: اختطاف الثورة وأحلام الشباب الذي أطلقها من قوة ذات توجه ديني يتعارض مع القيم الإسلامية الأصيلة، ولا يساير العصر ويسعى لإعادة عقارب الساعة للوراء . ثانيها: محاولة اختطاف الحلم الذي عبرت عنه ثورة25 يناير2011 باستعادة مصر لروحها الوثابة ولمكانتها الإقليمية والدولية، وإعادتها للحظيرة القائمة على التبعية في العقود الثلاثة الماضية وإدخالها بيت الطاعة الأمريكي.ثالثها: سعي القوى التي لا تؤمن بالوطن لتفجيره من الداخل عبر إثارة صراع ديني إسلامي /مسيحي من ناحية، ومن خلال التنازلات في سيناء وفي حلايب وشلاتين لإثارة الخلافات بين مصر وجيرانها من الأشقاء العرب ناهيك عن تشويه ورهن إرادة الشعب المصري وسيادة الوطن للعثمانية الجديدة وأشباهها وتوابعها. من هذا المنطلق كانت ضرورة محاولة استعادة الأمل وإحياء الحلم للشعب المصري باسترداد كرامته، وتأكيد ثوابته الأفريقية والعربية والإسلامية الصحيحة، وتعميق ركائز الدولة والحفاظ على سيادتها على كامل ترابها الوطني، ومن ثم انطلقت قوتان رئيستان الأولى هي قوة الشعب المصري وحركاته الصادقة والمؤمنة ببلادها التي تمثلت في حركة تمرد والأحزاب والقوى السياسية الأخرى، والثانية قوة الوطنية الصلبة للقوات المسلحة المصرية التي رفعت دائماً مصلحة الشعب المصري وعبرت عن طموحاته منذ نشأتها الحديثة، ودورها في تأكيد إرادة الشعب ضد حكم إسماعيل وتوفيق في ثورة أحمد عرابي ، وكذلك تماسك قوة الشرطة في تعزيز الأمن الداخلي والعمل يداً بيد مع القوات المسلحة لمصلحة شعب مصر صاحب الحضارة العريقة والذي أكد إيمانه بالإله الواحد منذ العصر الفرعوني قبل ظهور الأديان السماوية وهو إيمان ركائزه الاعتدال والتسامح والعقلانية والإيمان بالوطن والذود عن ترابه. ولقد أجرت قيادة القوات المسلحة بعد ثورة 25 يناير انتخابات حرة ونزيهة ولكن الجولة الأولى أسفرت عن وضع الشعب أمام أحد خيارين كلاهما كان صعباً للغاية بل مثل الدواء بالغ المرارة، فاختار ما اعتقد بأنه أخف الضررين، ثم اتضح أنه أسوأ الخيارات فثار ضده. والآن تنطلق مصر نحو استعادة الفكر الثوري الأصيل والأمل الحقيقي الذي أطلقته ثورة 25 يناير 2011 بشعاراته « عيش، حرية، عدالة اجتماعية وكرامة وطنية» وجددته ثورة 30يونيه 2013رغم كل التحديات والصعوبات والعقبات وقد جاءت الخطوة الأولى بإقرار الدستور المصري الجديد الذي هو دستور الشعب بكافة طوائفه، وليس دستور فئة واحدة، وكان الإنجاز رائعاً في العمل المتناسق والتوافقي من قبل مجموعة الخمسين لصياغة الدستور، وأيضاً في الاستفتاء عليه الذي أيده الشعب الحقيقي بمختلف فئاته وطوائفه سعياً منه لاستعادة الأمل، وقد حمت القوات المسلحة والشرطة إرادة هذا الشعب، باستنفار كامل كما لو كانت في حالة حرب ضد عدو خارجي ولكن الأخطر أن هذا العدو في الداخل، إنه حصان طروادة، ولكن إرادة الله غالبة وسيعلم الخائنون للوطن، الداعون للعنف والتطرف أي منقلب ينقلبون. وفي إطار هذه الذكرى العظيمة لثورة 25 يناير 2011 والعمل لاستعادتها من خلال ثورة 30 يونيه 2013 نذكر باختصار بعض التأملات حول ما حدث وأطلقنا عليه الربيع العربي وتتمثل وجهة نظري في النقاط الخمس التالية: الأولى: إنني ممن انبهر بالسلمية في الربيع العربي والتغيير السلس للسلطة في تونس ومصر، ولكنني توقعت، في كتابي « ثورة 25 يناير وأبعادها الداخلية والخارجية» الصادر في القاهرة في يوليو 2011 في مصر، ردود فعل بثورات مضادة وتداعيات، وعقدت ندوة ثقافية حوله في المجلس المصري للشؤون الخارجية في أغسطس 2011الثانية: إنني أشرت للمرجعية التنظيمية لبعض المتظاهرين آنذاك، والذين يمكن أن نطلق عليهم أنهم فوضويون يسعون لتدمير أركان الدولة وانتقدتهم في بعض مقالاتي من حين لآخر، وهي كتب جان شارب الخبير الأمريكي حول الانتقال من الديكتاتورية للديمقراطية، وهي كتب عديدة توالي إصدارها تباعاً منذ سبعينات القرن العشرين وهي منشورة على الإنترنت، والكتاب الرئيس لهذه المجموعة مترجم للغة العربية، ومن ثم فإنه رغم الدوافع الداخلية للتغيير الذي كان ضرورياً، إلا أنه للأسف بعض القوى التي ادعت الثورية وخدعت بعض القوى الثورية الحقيقية كما استطاعت أن تخدع بعض الجماهير وقد تبين بعد ذلك أن تلك القوى كانت مرتبطة بالخارج من حيث التمويل ومن حيث التدريب، ومن حيث الأفكار والأولويات. بل ومن حيث تحركه السياسي داخل المجتمع المصري ولذلك دافعت عنها أمريكا بقوة. وكما هو معروف فإن أمريكا لا تدافع عن حقيقة الحرية وجوهر الديمقراطية وإنما عمن يعبرون عن مصالحها كما اتضح من التسجيلات التي نشرت في مصر في الفترة الأخيرة حول هؤلاء الأشخاص.إنها تدافع عما أسمته كوندا ليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة الفوضى الخلاقة وهي في حقيقتها فوضي هدامة.الثالثة: إنني أشرت في مقالات عدة لتحول الربيع العربي إلى خريف وصيف وشتاء، وهذا ما حدث حتى الآن، في مصر وتونس بوجه خاص، وتحوله إلى رهن الوطن لقوى خارجية دولية وإقليمية، كما إنه ما زال يحدث في سوريا في الصراع بين قوي وطنية وقوي عميلة وقوي تابعة للنظام أساءت لاسم الإسلام الذي هو بريء من تصرفاتها كافة، مما ترتب عليه تدمير الدولة وقتل آلا لأف من الأبرياء وتشريد بضع ملايين من السوريين والانكي أن تلك القوي المسماة داعش ( دولة الإسلام في العراق والشام) هي في مقدمة القوي التي تسئ للإسلام بما ترتكبه من إعمال القتل البشع بأسلوب همجي. وهو ما لم يحدث مطلقا في تاريخ الإسلام الذي هو دين الرحمة المهداة للبشر جميعا ولذلك قال القران عن النبي صلي الله عليه وسلم «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»الآية 107 سورة الأنبياء. ونفس الشيء نجده وان كان بدرجة مختلفة في مصر باسم الإسلام حيث يقوم بعض من ينسبون أنفسهم للإسلام بالقتل وترويع الآمنين والغش والكذب والنفاق وبث الفتن في صفوف المجتمع والترويج للإشاعات الكاذبة. وهذا السلوك هو من خصائص الحركات الماسونية السرية المعروفة والتي تقتدي بها بعض تلك الجماعات التي تدعي انتسابها للإسلام هذا الدين العظيم الذي أكد فيه النبي الكريم حرمة الدماء كما جاء في خطبة الوداع والذي أكد حرمة الأعراض بينما هؤلاء يقدمون النساء والأطفال كدروع بشرية بعد أن البسوهم الأكفان وغسلوا أدمغتهم بالأفكار السيئة والخاطئة التي لم تحدث في صدر الإسلام وإنما ظهرت من الفرق الناشزة في الحضارة الإسلامية التي استباحت القتل باسم الإسلام أو بالأحري تفسيرها الخاطئ للإسلام رغم أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم» ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً» الآية 32سورة المائدة. والإسلام الذي رفض نبيه الكريم أن يكون حاكما دنيويا وإنما هو صاحب رسالة سماوية سامية، ولذلك قال رداً على من ساوموه بالمناصب والأموال «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر –أي الدعوة للإسلام -ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه»، ورفض الخليفتان أبو بكر وعمر آية إغراءات دنيوية وأقاما العدل ،، كما سار علي نهجهما الخليفتان عثمان وعلي رضي الله عنهم جميعا،رغم اختلاف الظروف وما حدث من فتنة أطلق عليها الدكتور طه حسين « الفتنة الكبرى» في كتابه بنفس العنوان في هذا المجال مما أدى بعد ذلك للملك العضوض ومن ثم بداية الانحراف عن الطريق الصحيح للدين الإسلامي الحنيف.- وللحديث بقية
Opinion
ثلاث سنوات من الربيع المصري والعمل لاستعادة حلم ثورة يناير «1»
24 يناير 2014