يحرص معظم المسؤولين الغربيين بعد خروجهم من مناصبهم على تدوين مذكراتهم لسببين؛ الأول يتعلق بتوثيق مرحلة تاريخية هامة من تاريخ بلاد المسؤول نفسه ودوره في هذا التاريخ، والثاني للتكسب المالي وتحقيق بعض المصالح الشخصية أو الوطنية على المدى البعيد. لذلك نجد بين وقت وآخر إصدار مذكرات هذا المسؤول وذاك، وكل يدون ما يصوّره للناس بأنه حقائق تاريخية عاصرها وساهم في كتابة فصولها، وبمرور الوقت تصبح (حقائق المسؤول) بمثابة حقائق فعلية تسجل ضمن تاريخ أي بلاد دون أن يتم التحقق من صحتها، ودون أن يكون لها من يعارضها. لدينا أمثلة كثيرة، وليست أجنبية فحسب، بل هناك أمثلة عربية كما هو الحال بالنسبة لتحفة النبهاني وغيره والتي مازال البعض يستمتع بتفسيرها على أمزجته وهواه بما يخدم أجندته ومصالحه. للأسف الشديد، فإن معظم المسؤولين العرب لا يحرصون على كتابة مذكراتهم في حياتهم أو بعد مماتهم، بل دائماً ما تذهب الحقائق التاريخية مع رحيل المسؤول نفسه. نعود مرة أخرى إلى المسؤولين الغربيين الذين باتوا يعتقدون أن كتابة مذكراتهم من شأنها تغيير تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وبذلك يقدمون سيرهم الذاتية على أنها جزء من تاريخ المنطقة، فيظهر من يعتقد أن دوره كان إيجابياً في هذه الدولة، أو كان له تأثير على سياسات تلك الدولة. ويتجاوز الدور ذلك بكثير عندما يقرر ما هو الصواب وما هو الخطأ في السياسات الداخلية لهذه الدولة أو تلك، بالإضافة إلى قيامه بتصنيف المسؤولين في الدول إلى دعاة إصلاح ومتشددين. هل يملك الغرب الحق في كل ذلك؟ إذا كان منطق حرية التعبير، فإنه ينتهي متى ما انتهى حد هذه الحرية بالإساءة للآخرين. ولكن منطق الغرب في حرية التعبير أعوج تماماً، ولا علاقة له بمصالح الشعوب الأخرى، فتعريف الحرية لا يتجاوز المصلحة الذاتية، وإن تضررت مصالح الشعوب والدول الأخرى وسمعتها في تجاوز لأخلاقيات العلاقات الدولية في نظام دولي بات يفتقر للأخلاقيات الكلاسيكية. إذن ما المطلوب الآن؟ لا يمكن القبول بأي شكل من الأشكال بمن يحاول كتابة تاريخنا الخليجي والعربي بمزاجه وذوقه ونظرته الأحادية ومصالحه، ولابد من إظهار المعلومات قبل أن تتحول المعلومات المغلوطة إلى حقائق يصدقها الجميع. في زمن ثورة المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي، انتهت محاولات تدليس التاريخ، ومحاولات السعي لتأسيس واقع مختلف بما يشتهيه الغرب وليس بما يرغب فيه العرب.
Opinion
مذكرات التدليس
29 يناير 2014