كم سنة مرّت ونحن نعاني من التطرف الذي قاد الكثيرين إلى ممارسة الإرهاب في الشوارع، أو حتى ممارسة الإرهاب الفكري دون أن تكون هناك وقفات حقيقية حول هذه الظاهرة الغريبة على مجتمع البحرين.لا أعتقد بوجود دراسة جادة تتناول تاريخ التطرف في البحرين، سواءً كان هذا التطرف دينياً أو سياسياً أو حتى إثنياً. وهذا جزء من المشكلة، إذ لا يمكننا تشخيص ظاهرة ما دون أن نعرف جذورها والأسباب التي أدت إلى تكونها، والدوافع التي تسهم في استمرارها.إذا كان الحديث عن التطرف الديني، فإن الصورة العامة تتعلق بدور رجل الدين في التحريض أو التعبئة من المنبر الديني، وإذا كان الحديث عن التطرف السياسي، فإن الصورة العامة تتحدث عن وجود تنظيمات إرهابية متطرفة لديها أفكار راديكالية تدفع لهذه الظاهرة.ليست هذه هي الصورة الكاملة، ولا تمثل كل الحقيقة، فالتطرف دائماً ما يكون منظومة مترابطة تتداخل فيها عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية، ولذلك فإن توصيف التطرف في البحرين غالباً ما يكون ناقصاً. ويترتب على ذلك بالضرورة أن تكون كافة الحلول ناقصة، كما هو الحال في المطالبين بإيقاف هذا الخطيب أو هذا السياسي عن نشاطه اعتقاداً بأنه السبب في التطرف، وأن إيقافه سيؤدي إلى إنهاء التطرف بين جماهيره!أثبتت التجربة أنه لا توجد لدينا استراتيجية واضحة ومكتوبة يمكن تنفيذها لمكافحة التطرف، ولا أعتقد أن هذه الفكرة هي مسؤولية وزارة الداخلية، بل هي مسؤولية جماعية حكومية يجب أن تعمل عليها مجموعة من الوزارات والأجهزة الحكومية المعنية بهذه الظاهرة وسبل مكافحتها. وإذا كانت الممارسات الإرهابية واضحة أطرافها وكذلك المتورط فيها، فإن التطرف تتورط فيه أطراف كثيرة بقصد أو دون قصد، وفي أحايين كثيرة باسم الوطنية والانتماء للوطن أو حتى باسم المصلحة العامة. مـــن الممكـــن أن يتــم القضــاء علـى الإرهاب في أي وقت، سواءً كان اليوم أو غداً أو حتى بعد عام، ولكن التطرف من الصعوبة بمكان القضاء عليه في وقت سريع نسبياً، لأنه عملية طويلة وتتطلب جهوداً متواصلة إلى أن يتم تحقيق الهدف. ولكن إلى أن يتم تحقيق ذلك فإنه من المستبعد أن يتم القضاء على الإرهاب نهائياً أو حتى الحد من نسبة التطرف لأن المعالجات القائمة لا علاقة لها بالجانب الفكري تماماً، وخطورة ذلك لن تظهر اليوم، وإنما ستكون حاضرة بين أجيال البحرينيين خلال جيل أو جيلين.