في الوقت الذي حرصت فيه «المعارضة» على التأكيد بأن الشاب الموقوف ذا الثلاث وعشرين ربيعاً والذي توفي في المستشفى الأسبوع الماضي كان يعاني من السكلر بغرض المساعدة في الوصول إلى استنتاج مفاده أن النظام في البحرين لا يراعي مرضى السكلر فيعتقلهم كما يعتقل الآخرين ويتعامل معهم بقسوة، في نفس هذا الوقت تقوم «المعارضة» بنشر صورة للشاب وهو يرتدي قناعاً واقياً من الغازات وبيده أسياخ حديدية ويسير أمام حواجز في شارع يشهد مواجهات تبدو أنها عنيفة وأن دوره فيها كان أساسياً. كان واضحاً أن «المعارضة» تريد بذلك أن تبرز الشاب على أنه كان شجاعاً وأنه كان بطلاً لا يبالي الموت، من دون أن تنتبه إلى أنها بنشرها هذه الصورة تثبت عليه الاتهامات الموجهة إليه، وتثبت على نفسها أنها تمارس العنف ولا تعفي حتى المصابين بالسكلر من النزول إلى «الميدان»، وأن كل ما يهمها من الأمر هو أن تستفيد من كل حدث لخدمة أغراضها. في كل الأحوال لا تستطيع «المعارضة» فعل أي شيء له أو لذويه سوى إصدار بيان يشيد بدوره ويعزيهم، ولكنها لن تتأخر عن المتاجرة في قصته وظروف وفاته إعلامياً، وستقول إن وزارة الداخلية أهملت علاجه وأنها لم تأخذه إلى المستشفى إلا بعد أن صار في حالة حرجة، وستلوك فضائية «أنباء العالم» والفضائيات التابعة لها هذه القصة ردحاً من الزمن، والهدف هو تأجيج الشارع، فكل شاب يسقط يصير وقوداً لـ «الثورة». هذا ما قالوه من قبل وكرروه مراراً، وهو ما يسعون إليه دائماً.«المعارضة» تعتبر كل من يتوفى بسببها شهيداً، وتعتبر كل شهيد وقوداً يعينها على الاستمرار في تهييج الشارع وتأليبه ضد الحكم، لذلك فإن حالة الحزن التي تسببت فيها تعتبر بالنسبة لها حالة فرح، فمن دون هذا لا تستطيع أن تواصل مخططها وتحقيق أهدافها. سؤال «يقرقع» في نفسي وفي نفوس الكثيرين، لماذا لم نسمع على مدى السنوات الثلاث التي حدث فيها كل هذا الذي حدث عن سقوط قتيل من أبناء «قادة المعارضة»؟ ولماذا لم يحدث أن أصيب أحد منهم بجروح أو تم اعتقاله أو التحقيق معه؟ لماذا كل الذين خسروا حياتهم أو أصيبوا أو سجنوا كلهم من أبناء البسطاء؟ هل هي الصدفة؛ أم الحظ؟ أم أن «القادة» لا يسمحون لأبنائهم ومن يعنيهم أمره بالمشاركة في الفعاليات؟ أو أنهم معنيون فقط بتنفيذ المهام البسيطة التي لا تعرضهم للخطر؟ لا أتمنى الموت أو الإصابة أو السجن لا لأبناء هؤلاء ولا إلى أبناء هؤلاء ولا إلى غيرهم، فما أتمناه هو أن تهدأ الأمور وتعود البلاد إلى ما كانت عليه قبل فبراير 2011 شعبها واحد وقلبها واحد ومستقبلها واحد، ولعل الفرصة مواتية الآن أكثر من أي وقت مضى، حيث بدأ العد التنازلي لاستئناف الحوار الذي سيكون دونما شك مختلفاً عن سابقيه. لذا فإن على «المعارضة» بدل أن تشغل نفسها في تأجيج الشارع والتسبب في فقد الشباب لأرواحهم وزرع الحزن في بيوت أهاليهم، أن تبادر بإصدار البيانات التي تحدد فيها موقفها فتدين العنف صراحة وتعمل على تهدئة الشارع كي تسهم في التمهيد لحوار جاد يفضي إلى نتيجة وقرارات ترضي الجميع وليعود الجميع إلى مرحلة البناء، فقد فاتنا الكثير وسبقنا الآخرون بعد أن كنا نسبقهم. كل بحريني نخسره هو خسارة للوطن، لذلك فإنه حان الوقت كي تعود «المعارضة» إلى رشدها وتحكم العقل كي يكون لها دور حقيقي في خدمة الوطن والبناء، فهذا أجدى من استمرارها في ما لا يعود على المواطنين إلا بالآلام.