يتبادل الناس الآراء في نقاشات وجلسات وحوارات بعضها يبث وينقل عبر الفضائيات، يتفقون وكثيراً ما يختلفون فتظهر الضغائن وتنشأ العداوة بينهم، فهل يكون اختلاف الرأي مفسداً للود، وهل الود شرط لتقبل الرأي الآخر.«اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» عبارة نسمعها كثيراً عندما يحتد النقاش بين طرفين أو مجموعة أطراف لاسيما إن كانوا من المثقفين، وكثيراً ما ينتهي النقاش ويتفرق أصحاب الرأي وقد حمل كل منهم على الآخر وربما حدثت بعدها خصومة، وقد يفضي اختلاف الرأي في بعض الحالات إلى القتل، فأين الود من كل ذلك؟! اللافت للنظر أن كثيراً من المتعصبين لآرائهم والمتحاملين على المخالف يؤمنون أن اختلاف الرأي يثري النقاش لأن الرأي الحصيف دائماً ما يكون نتيجة نقاش موضوعي وتبادل للآراء، والشواهد بينت أن التعصب للرأي والتحامل على صاحب الرأي المخالف قضية لا ترتبط بدين أو ثقافة معينة فنجدها بين المفكرين والسياسيين والعلماء ورجال الدين، لكن التاريخ حافل بقصص القتل والتكفير نتيجة اختلاف الرأي، بل إن أساس نشوء الفرق الإسلامية والتيارات الفكرية وتشكيل الأحزاب السياسية هو اختلاف الرأي.واقعنا اليوم يؤكد أننا نعيش في زمن إن لم توافقني الرأي فأنت ضدي، لذلك غالباً ما تتحول عملية الإدلاء بالرأي إلى مهاترات وإهانات وسرعان ما تتطاير الألفاظ البذيئة بين المتحاورين، أرى أن مقولة «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» تبتعد عن المنطق ولا تمت إلى الواقع بصلة وهي كغيرها من الأقوال الأدبية البراقة يرددها الناس دون التفكير بمعناها وتطابقها مع الواقع، نظرة واحدة إلى الجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية كافية لتجعلك توقن بخطأ هذه العبارة، فغالباً ما يختلف المجتمعون في الرأي ليتبادلوا بعد ذلك الاتهامات وتبدأ المقاطعات، وقد وجدت أن المثقفين اختلفوا حتى في نسبة هذه المقولة لصاحبها فبعضهم نسبها إلى الأستاذ محمد أحمد المحجوب الشاعر والمؤلف السوداني، وبعضهم قال إنها للمفكر أحمد لطفي السيد أول رئيس لجامعة القاهرة ووزير المعارف، بينما أصر آخرون على أنها شطر بيت شعر ورد في مسرحية شعرية كتبها الشاعر أحمد شوقي.لكل قضية رأي زوايا عدة قد يقف صاحب كل رأي باتجاه إحداها ويرى القضية من زاوية نظره ويختلف مع غيره الذي وقف أمام زاوية أخرى ورأى شيئاً مختلفاً عن صاحبه، وبالتالي لكل منها رأي يختلف عن الآخر وليس شرطاً أن يكون هناك ود بينهما ليتقبل كل منهما رأي الآخر، بل الواقع أثبت أن اختلاف الرأي يفسد الود والقضية، وما نحتاجه فعلاً الموضوعية في تبادل الآراء، والمقولة الصحيحة يجب أن تكون «اختلاف الرأي لا يفسد للموضوعية قضية».