وضع البحرين أصبح محرجاً مع أشقائنا في دول الخليج، وذلك لتراخي البحرين في اتخاذ إجراءات تتناسب مع حجم المخاطر التي تعصف بالمنطقة، فالضغط الخليجي يعادل الآن الضغط الأمريكي والبريطاني، وعلى البحرين أن تختار.على مدى ثلاث سنوات أعطيت البحرين مهلة لإيجاد حل للمجموعات الدينية المتشددة التي تعيث في أمن الخليج فساداً، ثلاث سنوات فشلت كل الجهود التي بذلتها البحرين ومعها كل الوسطاء لثني الوفاق عن مشروع الثورة وتحويلها إلى مشروع الدولة، وتلك نتيجة طبيعية نتيجة لبنية الوفاق العقائدية التي بنيت على أساسها وهي أن تكون البحرين جزءاً من الدولة المهداوية المنتظرة أي «الدولة الدينية»، وكل الحديث عن إيمان الوفاق بالدولة المدنية والجناح المعتدل والشركاء والحوار والديمقراطية وووو، كل ذلك كان تسويقاً فاشلاً لا يشتريه حتى من يبيعه، وأقصد هنا الدوائر الأمريكية المتحالفة مع الوفاق والدوائر البريطانية وسطاءهم في المنطقة، هم أكثر من يعلمون أن تلك البضاعة لا يشتريها أحد.كل عمليات التجميل التي قامت بها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية «لمدننة» الوفاق ذهبت أدراج الرياح، فالجامع الديني المذهبي عند ائتلاف الوفاق أكبر من أن تتجاوزه أي من وجوهها المدنية، الوفاق تأسست منذ البداية على مجموعة ائتلافية ضمت جماعات دينية متشددة تسعى لإقامة الجمهورية الإسلامية في البحرين تحت مظلة الولي الفقيه، ودأبت على العنف والإرهاب منذ قيام الثورة الإيرانية وليس منذ اليوم فقط، ولها أكثر من محطات تم فيها ارتكاب جرائم قتل وترويع للآمنين في الثمانينات والتسعينات والألفية الثانية وحتى اليوم، وكل مكرمات العفو الأربعة عشرة عن محكومين بالمؤبد لم تفلح في استمالتهم، بل إن بعض متهمي تفجير الديه من الشيرازيين هم ذاتهم الذين كانوا متورطين في أعمال عنف جرت في الثمانينات مثل «جعفر العلوي» الذي قبض عليه وكان يقضي عقوبة المؤبد حتى خرج بمكرمة أميرية قبل الميثاق، ومن هذه الأطياف الشيرازية وخط الإمام تشكلت الوفاق، وطوال فترة تأسيسها وعملها كجمعية سياسية أو ككتلة برلمانية كانت الوفاق غطاء للشيرازيين بامتياز، فالخط الشيرازي المتشدد وخط الإمام المتشدد هما أصحاب النفوذ الآن في الجمعية، وهما من يمسك بزمام الأمور داخلها، والمجموعات الصغيرة المؤمنة بالدولة المدنية المسماة بالأفندية يختلفون مع الشيرازيين على سبيل التكتيك لا على سبيل الاختلاف الاستراتيجي، وهذه المجموعة أضعف من أن تحدث تأثيراً، لأنها في النهاية تتوافق مع بقية الأطياف على الأهداف الرئيسة.التحاق الوفاق بركب الحركات الوطنية ليس سوى كتف يصعد عليه، «المطالب المشروعة» ليست سوى جسر للعبور فوقه، التحالف مع «قوى اليسار» ليس سوى بقرة تحلب من أجل لبن الدولة الدينية، فأساس التكوين منذ اليوم الأول هو دولة دينية تابعة للفقيه ومازالت.المدرستان الكربلائية والنجفية في البحرين -وهما عماد ائتلاف الوفاق- متفقتان على ذلك الهدف، ومهما بدر من خلاف بينهما فإن ذلك، كما نقول، اختلاف تكتيكي على مستوى العمل الميداني، لكنه لا يرقى أبداً إلى المساس بالأهداف الاستراتيجية وهي الولاية للفقيه أو للفقهاء الشيعة، لذا محاولة تسويق الخلاف بين الشيرازيين والوفاق على أنه خلاف جوهري وأن الوفاق قادرة على الانفصال عن الجناح المتشدد محاولة فاشلة مردود عليها والسنوات الثلاث تشهد بذلك، وأن الرهان على مدنية الوفاق رهان خاسر، الرهان على الحوار مع «شريك» بحريني رهان خاسر، الرهان على وجود «معتدلين» في الوفاق قادرين على الأخذ بزمام الأمور رهان خاسر، كل تلك البضاعة التي يسوقها البريطانيون والأمريكيون الآن للضغط باتجاه استكمال الحوار ليست سوى إبر مخدرة يحقن بها حلفاء الوفاق النظام، من أجل إطالة أمد الصراع وبقائه ضمن درجات الاحتواء.الحلفاء يعدوننا بوجود معتدلين وبأنهم سيظهرون وسيتحركون و..و النظام وشعب البحرين معه انتظر ثلاث سنوات باحثاً عن هؤلاء المعتدلين ولم يعثر عليهم، ولن يعثر، فلن يسمح لا الشيرازيون ولا عيسى قاسم -للشيعة ككل لا تيار ولاية الفقيه فحسب- أن يتحرروا من قبضتهم، إذ إن مؤشرات ظهور المهدي قريبة بالنسبة لهم بشرتهم بها مرجعيات دينية إيرانية، لذا فإن التفريط في المكاسب التي تحققت إلى حد اللحظة هو تفريط في الهدف الاستراتيجي الأهم ولن يسمحوا لهم بذلك، وتردد النظام في حسم الموقف واحد من الأمور المشجعة لهم بالتعنت. كما إن الأخطر من ذلك أن البريطانيين والأمريكيين الذين ينصحون النظام في البحرين بالاستمرار في «الحوار» والذين يدعون أنهم يرفضون العنف يلعبون لعبة ازدواجية خطيرة، فدعوات العنف تنطلق من أراضيهم، و«شبكات» الدعم اللوجستي للجماعات الإرهابية تربت تحت أيديهم في لندن وفي العراق وفي نيويورك، بل إن ملف تدريب ميليشيات مسلحة شيعية عراقية على يد أمريكان ملف متخم، فهل بقيت لهم مصداقية تسمح لهم بموقع الوسيط أو الحليف؟!فعلى البحرين أن تقرر الآن أين هو موقعها من التحالف الخليجي أو التحالف الدولي المناهض للمنطقة، ولمن تريد أن تستمع؟