يخيل إليَّ أن كثيراً من السياسات الداخلية والخارجية بدولنا الخليجية، كمن يتعاطى منشطات، ترفع مستوى طاقته خلال فترة تأثير الجرعة، ليتراجع بعدها للأسوأ، حتى تنهار قوته بالكامل، فيدمر نفسه.  هكذا هي أغلب ردود الفعل السياسية في المنطقة وقتية ومتفرقة. ورغم ما أعلنته مراراً وتكراراً من رغبة جادة في تأسيس الاتحاد الخليجي وما عقدته من أجله من اجتماعات عدة إلا أن الرؤية البيروقراطية المتمردة على القرار السياسي داء عضال لا يبدو أنها ستشفى منه في حالة الاستسلام التي تشهدها بين الفينة والأخرى. إن العودة لما استعرضه «رياض نجيب الريس» في كتابه «رياح الخليج» حول ظروف تأسيس مجلس التعاون الخليجي إبان الحرب العراقية - الإيرانية، وسعيه لإيجاد مشروع أمني موحد بهدف حماية أمن الخليج، ورغبته في التوصل إلى شيء شبيه بالصوت الواحد ضمن جوقة متعددة الأصوات؛ تخاطب به دول مجلس التعاون الخليجي دول العالم الغربي، بما يتعلق بأمنها الدفاعي وحاجاتها إلى الخبراء والأسلحة والتدريب.  تبرز لنا بوضوح أهمية الاتحاد الخليجي المقبل في ظل تلك الظروف الشائكة والمضطربة التي تشهدها المنطقة. كما تؤكد على ضرورة التعاطي بمزيد من الوعي مع سياسات دول مجلس التعاون الأعضاء وغربلة مواقفها. يلوح في الأفق أفول نجم المجلس بصيغة أو بأخرى، فيما بدأ يلمع نجم الاتحاد الثلاثي في المنطقة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين. لاسيما وأن غربلة المواقف تستلزم الاعتراف بأن بعض المشاغبات بعد استفحالها لم تعد مجرد مشاغبات، كما أن التمرد العماني على الاتحاد لم يكن تمرداً عرضياً ولا انفعالياً بقدر ما كشف عن منظور عماني مختلف تحدد أولوياته مصالح مختلفة تماماً عن مفهوم المصلحة الخليجية في رؤية الدول الثلاث القادمة. فيما أن الكويت ورغم موقف الحياد النسبي الذي اتخذته في مراحل متأخرة، إلا أنها تضع بقية الأطراف في موقف مشكك من إمكانية الميل نحو الاتحاد الجزئي، ثلاثياً أو رباعياً. غير أن الفرصة مازالت سانحة إلى حد ما لتلحق بالركب إن أرادت وتكيفت وفق ما يجب أن تكون عليه في ظل الاتحاد. إن الخليج العربي يواجه حالة من التشظي لعلها لم تكن في الحسبان بما يكفي لدرئها قبل الوقوع، لاسيما بدخول أطراف خارجية في لعبة التمردات في المنطقة، ما يعني أن الخليج العربي يواجه غزواً من نوع آخر عملاً بقاعدة الفساد الأولى في العالم «فرق تسد».  من ناحية أخرى.. فإن الخليج العربي لم يستنفد جميع قواه ومازال هناك من التماسك بين بعض أعضائه ما يمكنه من الخروج من عنق الزجاجة بسلام، فطريق الاتحاد الثلاثي معبد إلى حد كبير بالنوايا الحسنة، وببرهنة الشراكة في الموقف والمصير، ومحفوف بالاحتواء السعودي والإماراتي للبحرين. ومجدداً يقول رياض نجيب الريس في كتابه سابق الذكر، «كل الذي نخشاه ونخافه هو ألا تكون سيرة الزمان الخليجي المقبل، لا خليجية ولا عربية. وعندئذ لن يبقى الخليج أكثر من دمعة باردة على خد ذلك الزمان الرديء».  أما آن الأوان أن نشعل الدمع من جديد؟ ونوقد النور من قلب الظلام، ونعلن اتحاداً ثلاثياً خليجياً لعل أولى ومضاته قد تراءت للعيان بوضوح شديد في عدد من المواقف والقرارات الثلاثية المشتركة مؤخراً بما في ذلك موضوع الإرهاب. ناهيك عن مواقف أخرى برزت قبل ذلك في عدد من الأزمات الأخيرة التي ألمت بالخليج العربي، أبرزها أزمة البحرين 2011، وما شهدته من بذل سعودي وإماراتي في المقدمة.