لن تكون سابقة تاريخية، ولا آخر جريمة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الطفولة الفلسطينية، فالصبي المقدسي رشيد الرشق الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، هز عرش الاحتلال، الذي لم يجد بداً من حبسه في منزله، وفرض الإقامة الجبرية عليه، بعد اعتقاله منذ شهر ونصف بزعم «إلقاء زجاجات حارقة» في منطقة سلوان.لطالما شكل الأطفال الفلسطينيون «فريسة سهلة» للاحتلال، الذي انتهج على الدوام سياسة ترهيب الأطفال، بهدف كسر إرادتهم في المقاومة، وإهانة كرامتهم، ومن أجل ذلك وظّف جملة من الممارسات الحاطة بالكرامة الإنسانية، والمنافية لكل حقوق الأطفال الدولية، من قبيل التنكيل بالأطفال وترويعهم في عمليات اقتحام المنازل الليلية، وعلى الحواجز المنتشرة في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، وعمليات اعتقال الأطفال وتعذيبهم خلال التحقيق، وتجنيد العملاء لملاحقتهم وإسقاطهم في شباك العمالة أو الإدمان أو الجريمة.أمثلة كثيرة جداً على استهداف الأطفال من قبل جيش الاحتلال وآلته العسكرية المدمرة، بالقتل والإعدام الميداني والاعتقال والتعذيب والتنكيل، ولعل منها ما يتبادر إلى الذهن من ذكريات الانتفاضة الثانية، التي ارتقى خلالها الكثير من الأطفال شهداء، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الرضيعة إيمان حجو، والطفل محمد الدرة، والطفل الذي هزت صورته مواجهاً دبابة للاحتلال بجسده النحيل وحجر لا يكاد يرى، فارس عودة، والقائمة تطول.الاحتلال يعامل الفلسطيني بشكل عام على أنه «كائن» مسلوب الحقوق، ويتعاطى مع تشجيع الإجرام بحقه وسلبه حقوقه سياسة ثابتة يوظّف لخدمتها الأموال، وماكينات الدعاية، وجماعات الضغط، والحاخامات المتطرفين الذين لا يكفون عن بث أفكارهم المسمومة.ولو ألقينا نظرة خاطفة على أطفال المستوطنين، لوجدنا أنهم يلقنون منذ الصغر دورس الكراهية، والعنصرية، ويدربون منذ نعومة الأظافر على القتل واستخدام السلاح، والصورة المؤثرة التي انتشرت على نطاق واسع لأطفال «إسرائيليين» يخطون رسائل القتل على الصواريخ التي قصف الكيان بها لبنان وقطاع غزة، يكشف إلى أي مدى وصلت دونية ونازية الاحتلال، الذي لا يتورع عن تحويل أطفاله إلى ماكينات قتل، ويزرع فيهم الحقد على الغير، ومبررات الاعتداء على الحق الإنساني العالمي في الحياة، ما يجعل منه مجرماً بحق الطفولة والإنسانية كقيمة عالمية. لعل وجود الاحتلال وفداحة جرائمه بحق الفلسطينيين، جعل الكثير من الذين امتدحوا أطفال الحجارة، والأطفال الذين واجهوا الاحتلال سواء في ساحة المواجهة، أو عبر مقاومة سياسات التجهيل وإغلاق الطرق بين المدن، واستهداف المدارس، وغيرها، ينسون أنهم في نهاية المطاف أطفال كغيرهم، لديهم أحلام ورغبات ومطالب، ولعل أبسط هذه المطالب بالنسبة لكثير من الأطفال الفلسطينيين، يتمثل في الوصول إلى مدرستهم صباحاً من دون حاجز على الطريق، أو جندي يتربص بالمارة.الاحتلال يغتال الطفولة الفلسطينية كل يوم، مدركاً أن طفلاً واعياً متعلماً سيكون من دون أدنى شك «تهديداً وجودياً»، وواهماً أنه بسياساته تلك سيثني الفلسطينيين عن المطالبة بحقوقهم التاريخية المشروعة، أو سينسيهم قضيتهم وسينهي نضالهم المستمر.* عن «الخليج» الإماراتية