صار من الصعب جداً أن يحمل المواطن أعباء إضافية حتى وإن كانت في غاية الأهمية، لتضاف إلى سلسلة الضغوطات المادية التي تثقل كاهله، فالقروض الشخصية والقروض الأخرى المتعلقة بالتعليم والسكن وغيرها، ناهيك عن المصاريف الشهرية واليومية الثابتة، كلها تضغط باتجاه إنهاك جيب المواطن البحريني، ومن هنا فليس هناك من مجال مادي آخر يمكن أن يضاف إلى كل تلك السلسلة التي أصبح وزنها يرهق المواطن العادي.يعاني القطاع الطبي من بعض المشاكل، وهناك خلاف لم يحسم بعد حول هجرة الاستشاريين من مستشفى السلمانية الطبي، وعدم جواز الجمع بين العمل الطبي الحكومي والخاص. هذه الأزمة، جعلت الطبيب البحريني في حيرة من أمره، لكنه اختار أن يعمل تحت مظلة المستشفيات الخاصة، أو في عيادته الخاصة كذلك، ومن هنا فلا شيء بات يلزمه كبقية أطباء السلمانية وكل المراكز الصحية الأخرى.هذه المشكلة في عمومها، باتت تشكل خطراً حقيقياً على مستوى وجودة الخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية، وعليه، أصبح المواطن يفضل العلاج في المستشفيات الخاصة على العلاج في القطاع الحكومي، للأسباب التي ذكرناها ولغيرها من الأسباب الوجيهة الأخرى، ولذلك أصبح العلاج «بفلوس» وباتت الصحة «بفلوس» والدواء «بفلوس»، وهذا ما كنا نعنيه في بداية حديثنا، أن هناك مصاريف جديدة أضيفت لمصاريف المواطن البسيط، وحتى المقيم الفقير.وبما أن المستشفيات الخاصة والعيادات الخاصة لا تخضع في أسعارها لرقابة حقيقية -هذا إن لم يكن أصحاب القرار هم من الأطباء «الهوامير» من الكبار، الذين يملكون مستشفيات وعيادات خاصة- صار من المضحك أن يكون القاضي خصمك وغريمك، فحينها من تقاضي؟ليست المرة الأولى التي نكتب هنا عن هذا الأمر، فقد كتبنا وكتبنا مرات ومرات، لكن، لأن وزارة الصحة «عمك أصمخ» ولم تستجب لمقالاتنا السابقة، فسنكون مضطرين للكتابة مرات ومرات، حتى يستيقظ المسؤول من سباته.أكرر للمرة المليون، أن العيادات والمشافي الخاصة ليست مراكز خيرية، وليست جهات تعاونية أو تابعة للدولة حتى يمكن الحديث عن علاج مجاني أو رمزي، نحن نعي هذا الأمر جيداً، لكن، أن تكون الكثير من هذه العيادات والمشافي الخاصة مكاناً لجباية الأموال، أو أن تتحول إلى «مقصب» مسلط على رقاب المواطنين العاديين البسطاء، لنزف ما تبقى من رواتبهم على جلسات علاجية تستمر لأشهر وربما لأعوام، أو لشراء أدوية «برأس رجل»، دون أن تأخذهم في الناس رأفة أو رحمة، فهذا لا يمكن قبوله على الإطلاق.طفلة تعاني من ألم بسيط في أحد أسنانها، وهي بذلك ربما تحتاج لجلسة أو جلستين فقط، لكن، تظل العيادة كبقية الأماكن التي تفزع المواطن الفقير بسبب الأموال التي تأخذها من جيبه الهزيل، ولعدم وجود رقابة عليها، سيوهمون الأب المسكين، أن طفلتك ستحتاج إلى جلسات وجلسات وجلسات.جلسة للكشف بمبلغ 30 ديناراً، وجلسة أخرى من أجل أن «يتطمن عليها» الدكتور، وثالثة من أجل أن يقول لها إنني لا أستطيع علاجك لأنك تعانين من الآلام، فاحجز أيها الأب الكريم موعداً رابعاً وخامساً وربما عاشراً، ليكون الحساب يوم الحساب!إذا لم يرحم الأطباء، المرضى من المواطنين وغير المواطنين، فمن الذي سيرحمهم بعد الله عز وجل؟ إذا كانت مهنة الطب الإنسانية لا تساعد ممتهنها على الرحمة والرأفة، فماذا نقول عن المهن القاسية؟ أم أن الطب تحول إلى تجارة عظيمة، وتحول معها الطبيب إلى «شاه بندر التجار» في البحرين؟أما «الجمعية»، فإنها لا تعلم ماذا يعاني منه المواطن الفقير، حتى تقوم بالوقوف معه في مسيرة علاجه وعلاج عائلته، فالأكراش ممتلئة، والسيارات الفارهة تكتظ بها «كراجاتهم»، هذا إن لم يكن غالبية منتسبيها يعملون في ذات التجارة المربحة، أما أنت أيها المواطن «المنتف» فما لك إلا أن تسافر للعلاج في دولة أجنبية أو عربية، لن يكلفك العلاج فيها مع الاستجمام والسياحة مع الأهل، ربع ما قد ينهبه منك طبيب لا يخاف الله في وطنك هذا. «بسكم يا جماعة الخير، يكفيكم الملايين اللي جمعتوها من ظهور الفقارة، وكونتوا لكم ثروات من عياداتكم ومستشفياتكم الخاصة، تجاوزتم بأرباحكم أرباح بعض البنوك، فعلى الأقل، جملوا بقية مشواركم الطبي من أجل مساعدة الناس ليكون ذلك في ميزان حسناتكم، واكتفوا بما أخذتموه من أموال الفقارة والأغنياء.. اللهم إني بلغت».آخر خبرإغلاق مركز طب أسنان بالمنامة بعد ضبط طبيبين غير مؤهلين وغير حاصلين على ترخيص لمزاولة المهنة!!