معلوم أن كل إنسان معرض للخطأ، ولا عصمة إلا للأنبياء، ومن قال غير ذلك فقد شذ عقله، واختل فكره، وحتى العلماء الراسخون في العلم السابقون منهم واللاحقون لم يقل أحد إنه معصوم و«ما من أحد إلا يؤخذ من علمه ويترك إلا رسول الله»، ومن تصدر للدعوة واجتهد في نشر الدين لا يسلم من أخطاء يقع فيها، ولعلها وهي على اسمها أخطاء -أي أنها لم تكن مقصودة- تغفر في بحر حسنات قائلها.وقد انتشر في الإعلام الجديد أناس يشتهون الزلة، وينقبون عن السقطة، وينقبّون عن العثرة، فإذا جاءهم شخص بما ليس لهم به علم خونوه، ورب كلمة قالها خالفت المألوف وهو بها قد أصاب كبد الحقيقة.ومن حيلهم وبئس الحيلة أنهم يسألون العالم الموثوق بعلمه المتفق على مرجعيته عن أصحاب البدع فيجيبهم على قدر سؤالهم عن أهل البدع، فينزلون هذه الإجابة على الأشخاص، ويقولون قال العلامة فلان في الرد على فلان. وفي هذا يقول الشيخ صالح الفوزان: «يسألونك عن سؤال، أنت تجيب عليه، هم يركبونه على ذلك الشخص».ومنهم الذين يصرحون باسم الشخص الذي كان أولئك ينتقصونه ويبدعونه، فيجيب الشيخ إجابة عامة بعيدة عن الكلام الأول، ثم يدّعون أن ذلك غير المقصود، والشيخ يقصد كذا ويقصد كذا، فاشتغلوا بالمقاصد وتركوا التصريح البيّن.ولو رأيت الواحد منهم المتحمس إلى التحذير من أصحاب الدعوة وإذا به لا يساوي شسع نعل عالم، فلا يملك علماً ولا فقهاً، ولا يحمل تقوى ولا ورعاً، وإنما يحمل حِمل حمار بني إسرائيل للكتب، فلا يعلم البدعة التي يحملها ذلك الشخص لكنه سمع أقرانه أو رأى مقاطع مركبة، وأجوبة لأسئلة غير متصلة، فجاء رافعاً أنفه حمية عن الدين وما هو من الدين، ولكنه يشيع كلاماً لم يراجع فيه عقله، ولم يفكر في تلك المقولة، وهل لصاحبها مستند شرعي، أو مرجع سابق يتكئ عليه؟ وإنما يطير بها كما يطير أصحاب الرِيَب، وأهل الأهواء.وما يدلك على أن هذا العمل في سفال، وجهدهم إلى زوال، أن أصحابهم الذين ينقمون عليهم. عليهم نعم الله تترى، وآلاؤه تتوالى، فقبول الناس لهم وإقبالهم عليهم، قد يكون فتنة لهم أحيانا، ولكنه قد يكون دليل حب من الله لهم، وربما يكون الله غفر لهم زللهم، وعفا عنهم بكلام نطقوا به وافق نفحة من نفحات الله، فشملهم برحمته، وحفّهم بكرمه، وإن تأملت حال من ينتقصهم وجدته لم يبلغ علماً، فتشد إليه عقول الرجال، ولا اكتسب شهرة يستطيع بها التأثير على الجمهور، فحالهم أبداً حال من يرمي الثمار في أعالي الأشجار فرؤوسهم: إليها مرفوعة، ونقماتهم إليهم مرجوعة، وكما قال الشاعر: كناطــح صخــرة يوماً ليوهنهافلم يضرها وأوهى قرنه الوعلودليل فساد هذا الرأي أنك لا تجد من يستجيب لهم إلا القلة من أصحاب الأهواء، وأصحاب الضلال، أو الأغرار الذين تربوا في مجالسهم، فأسْلَموا عقولهم إليهم، وأما أولو الحجى والنهى، فقد سمعوا ولكنهم ما اقتنعوا؛ ولذا فإن جموعهم معدودة، ورؤاهم مرفوضة، ومن علامة خذلانهم نفور الناس عنهم، وتحرزهم منهم، وكذلك عدم استغلال أوقاتهم بما ينفع ويفيد، وإنما صرفوها للنيل من الأشخاص، بحجة النقد أحياناً، وبحجة قمع البدعة أحياناً. ومن علامة انحيازهم وتحزبهم أنهم إذا أرادوا الحديث عن مراجعهم أسبغوا عليهم معاني الإطراء وكلمات الثناء قاصدين بذلك تقرير علمهم في عقول الناس، ممهدين لكلامهم راجين بذلك التأثير في المتلقين، وإن خالفتهم في قولهم صنفوك واتهموك. وإذا أرادوا الحديث عن مخالفيهم جردوهم من صفاتهم الشرعية وألقابهم العلمية والأكاديمية، وربما ساقوا كلمة تدل على الإجرام، وساقوا ألفاظاً حزبية بغيضة؛ لتنفير الناس منهم.ومن أسوأ النكران أن يقف معك شخص في أصعب الظروف وأقساها، فإذا أصيب بظرف مثله أو قريب منه تقاعست عن نصرته، بسبب اختلافك معه في الرأي والفكر، وبعض الناس ربما يقف مع الشيطان ضد صاحبه. وأسوأ من نكران الجميل أن تُحرّض على من ناصرك يوماً، فتجمع إلى خذلانك له صد الناس عن نصرته.- ومضة..«دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء، البغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بما يثبت ذلك لكم: أفشوا السلام بينكم».
Opinion
الدعاة على محك النقد
19 مايو 2014