رغبة البعض في تأجيل الانتخابات النيابية والبلدية المقررة في أكتوبر المقبل على أمل أن تهدأ الأحوال وتصل الجمعيات السياسية «المعارضة» إلى اللحظة التي تعينها على اتخاذ قرار بالمشاركة فيها، هذه الرغبة تقابلها دعوة من البعض الآخر تشدد على أهمية إجراء الانتخابات في موعدها، وأنه لا بد من سير العملية الانتخابية التي تعزز أوجه الديمقراطية في البحرين في وقتها الطبيعي. هذا البعض يرى أن الباب مفتوح للجميع للمشاركة لكن اتخاذ بعض الجمعيات السياسية قراراً بعدم المشاركة الآن لا يعني أن يتم تأجيل الانتخابات من أجل سواد عيونهم، حيث التأجيل لهذا السبب يوفر لهم ظروفاً تدفعهم للاقتناع بأنهم رقم موجب من دونه لا يمكن أن تتم العملية الديمقراطية. بشكل عام يتمنى مواطنو البحرين مشاركة الجميع في الانتخابات المقبلة، لكنهم ينقسمون إزاء ضرورة مشاركة فئة لا تزال دون القدرة على اتخاذ قرارها بالمشاركة؛ فمنهم من يرى الانتظار ريثما تتهيأ الظروف التي تشجع تلك الفئة على ذلك، ومنهم من يرى أن عدم مشاركتها لا يؤثر على أداء البرلمان، وأنه بالتالي ينبغي أن تسير الأمور بشكل طبيعي وتجرى الانتخابات في موعدها. المتابعون لتطورات الأحداث يرون أن الدولة تتمنى مشاركة الجميع وتسعى إلى تحقيق هذه الأمنية لما لهذا التوجه من أثر إيجابي في تطوير حياة المواطنين، حيث مشاركة الجميع في الانتخابات يعني احتمال أن يتحقق للمواطنين ما قد لا يتحقق بمشاركة منقوصة، كما إن مشاركة الجميع تعني التوصل إلى حيث يمكن إلقاء ما حدث في السنوات الثلاث الماضيات وراء ظهورنا.البعض فسر احتمالية تأجيل الانتخابات على أنه استجابة لضغوط دولية يتسبب عدم الالتفات إليها في التأثير على البحرين سلباً وتعرضها لسيل من الاتهامات التي هي في غنى عنها. والبعض فسر احتمالية التأجيل بحكمة القيادة، وأنها تريد أن تقنع العالم بأن عدم المشاركة ليست إلا مبررات واهية وأن المراد من ذلك هو الإساءة إلى البحرين، فتكون بذلك قد وجهت إلى المسيئين صفعة قوية.في السياق نفسه انتشر مؤخراً كلام كثير عن صفقة تمت، أو تكاد أن تتم، بين الحكومة وبعض الجمعيات السياسية، توفر الحكومة بموجبها بعض مطالب «المعارضة» مقابل أن تشارك تلك الجمعيات في الانتخابات! كلام كثير يتداول في المجالس هذه الأيام وتصريحات بالنفي تتقافز هنا وهناك يتوسطها كمية من الاتهامات تتقاذفها تلك الجمعيات السياسية فيما بينها، واتهامات أخرى كثيرة بـ «بيع القضية» من أجل المناصب والثروة والجاه يتم توجيهها من أولئك الذين اختاروا البقاء في الخارج إلى بعض الجمعيات السياسية، وعلى الخصوص جمعية الوفاق، التي من الواضح أنها صارت في مأزق كبير، فهي إن استجابت لدعوة الحكومة بالمشاركة خسرت الشارع الذي لا يزال جزءاً منه متعلقاً بها ويستجيب لها، وإن لم تستجب لم تتمكن من فعل مفيد للناس وخسرت الحكومة التي وفرت لها ما يكفي من فرص، وهذا الوضع الأخير من شأنه أن يؤدي بالمتعاطفين معها إلى أن ينفضوا عنها فتنتهي وينتهي شأنها وإلى الأبد.مع كل الاحترام للجمعيات السياسية؛ ما أراه هو أن الحكومة تراقب فعلها وتخبطها وهي جالسة وقد وضعت رجلاً على رجل وتتبسم، وكأني بها تقول في سرها ما لو جهرت به لزعل منها أصحاب تلك الجمعيات. هنا يأتي فارق الخبرة والتجربة والقدرة على تشخيص الأحوال، ولأن الحكومة هي من تتحكم في المشهد جيداً، لذا فإنها تعمل بهدوء لتبين للعالم أجمع كيف أنها ابتليت بمن لا «مريال» له في السياسة إلى الحد الذي لا يزال غير قادر على اتخاذ قرار بالمشاركة في انتخابات هي من حقه وحق من يعتبرهم في ذمته.